الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

{ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ } قال أكثر المفسِّرين : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على مجلس من مجالس الأنصار وهو على حماره ، فبال حماره ، فأمسك عبدالله بن أُبي بأنفه وقال : إليك عنّا بحمارك ، فقد آذانا نتنه . فقال عبد الله بن رواحة : والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك .

فغضب لعبد الله بن أُبي رجل من قومه ، وغضب لعبد الله بن رواحة رجل من قومه ، فغضب لكلّ واحد منهما أصحابه حتّى استسبّوا ، وتجالدوا بالأيدي ، والجريد ، والنعال ، ولم يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم على إمساكهم ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية ، فلمّا نزلت قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاصطلحوا ، وكفَّ بعضهم عن بعض ، وأقبل بشير بن النعمان الأنصاري مشتملاً على سيفه ، فوجدهم قد اصطلحوا ، فقال عبدالله بن أُبي : أعليَّ تشتمل بالسيف يا بشير ؟ قال : نعم ، والّذي أحلف به لو جئت قبل أن تصطلحوا لضربتك حتّى أقتلك ، فأنشأ عبد الله بن أُبي يقول :

متى ما يكن مولاك خصمك جاهداً *** تظلم ويصرعك الذين تصارع

قال قتادة : نزلت في رجلين من الأنصار ، كانت بينهما مذاراة في حقّ بينهما ، فقال أحدهما للآخر : لآخذنّ حقّي منك عنوة ، لكثرة عشيرته ، وإنّ الآخر دعاه ليحاكمه إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يتبعه ، فلم يزل الأمر بينهما ، حتّى تدافعوا ، وقد تناول بعضهم بعضاً بالأيدي ، والنعال ، ولم يكن قتال بالسيوف . وروى محمّد بن الفضيل ، عن الكلبي أنّها نزلت في حرب سمير وحاطب ، وكان سمير قتل حاطباً ، فجعل الأوس والخزرج يقتتلون إلى أن أتاهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله سبحانه هذه الآية ، وأمر نبيّه ، والمؤمنين أن يصلحوا بينهم .

وروى سفيان عن السدّي ، قال : كانت امرأة من الأنصار يقال لها : أُمّ زيد تحت رجل ، وكان بينها ، وبين زوجها شيء ، فرمى بها إلى عُلية ، وحبسها فيها ، فبلغ ذلك قومها فجاءوا ، وجاء قومه ، فاقتتلوا بالأيدي ، والنعال ، فأنزل الله سبحانه تعالى : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ } الآية .

{ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } بالدعاء إلى حكم كتاب الله سبحانه ، والرضا بما فيه لهما ، وعليهما . { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ } ترجع { إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } وأبت الإجابة إلى حكم الله تعالى له ، وعليه في كتابه الذي جعله عدلاً بين خلقه . { فَإِن فَآءَتْ } رجعت إلى الحقّ { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ } بحملهما على الإنصاف والرضى بحكم الله ، وهو العدل ، { وَأَقْسِطُواْ } واعدلوا . { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }