الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

مدنيّة ، وهي ألف وسبعمائة واثنان وتسعون حرفاً ، وأربعمائة وثلاث وسبعون كلمة ، واثنتان وعشرون آية .

أخبرنا أبو الحسين عليّ بن محمّد بن الحسن المقرئ ، عن مرّة قال : حدّثنا أبو بكر أحمد ابن إبراهيم الجرجاني وأبو الشيخ عبد الله بن محمّد الأصبهاني قالا : حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم ابن شريك الكوفي قال : حدّثنا أحمد بن يونس اليربوعي قال : حدّثنا سلام بن سليم المدائني قال : حدّثنا هارون بن كثير ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن أُبي أمامة ، عن أبىّ بن كعب قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ سورة المجادلة كُتب من حزب الله يوم القيامة ) .

{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ } : تخاصمك وتحاورك وتراجعك { فِي زَوْجِهَا } وهي امرأة من الأنصار ثمّ من الخزرج ، واختلفوا في اسمها ونسبها ، فقال ابن عباس : هي خولة بنت خويلد . وقال أبو العالية : خويلة بنت الدليم . وقال قتادة : خويلة بنت ثعلبة . وقال المقاتلان : خولة بنت ثعلبة ابن مالك بن خزامة الخزرجية من بني عمرو بن عوف .

عطية عن ابن عباس : خولة بنت الصامت .

وروى هشام بن عروة ، عن أبيه ، " عن عائشة رضي الله عنها أنّ اسمها جميلة ، وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت وذلك أنّها كانت حسنة الجسم فرآها زوجها ساجدة في صلاتها فنظر إلى عجزها ، فلمّا انصرفت أرادها فأبت عليه فغضب عليها ، وكان امرءاً فيه سرعة ولمم . فقال لها : أنتِ عليَّ كظهر أُمّي . ثم ندم على ما قال ، وكان الظهار والإيلاء من طلاق أهل الجاهلية . فقال لها : ما أظنك إلاّ قد حرمتِ عليَّ . قالت : لا تقل ذلك ، ائتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله . فقال : إني أجدني استحي منه أن أسأله عن هذا . قالت : فدعني أسأله . قال : سليه .

فأتت النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة تغسل شقّ رأسه ، فقالت : يا رسول الله ، إنّ زوجي أوس بن الصامت تزوّجني ، وكنت شابّة جميلة ذات مال وأهل ، حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي وتفرّق وكبرت سنّي ظاهر منّي وقد ندم ، فهل من شيء يجمعني وإيّاه ينعشني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حرمت عليه " . فقالت : يا رسول الله ، والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقاً ، وإنّه أبو ولدي وأحبّ الناس إليّ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حرمت عليه " . فقالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ، قد طالت صحبتي ونقصت له بطني . فقال رسول الله ( عليه السلام ) : " ما أراك إلاّ وقد حرمتِ عليه ولم أومر في شأنك بشيء " .

فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قال لها رسول الله ( عليه السلام ) : " حرمت عليه " هتفت وقالت : أشكو إلى الله فاقتي وشدّة حالي ، اللهمّ ، فأنزلْ على لسان نبيّك .

وكان هذا أول ظهار في الإسلام . فقامت عائشة تغسل شقّ رأسه الآخر فقالت : انظر في أمري ، جعلني الله فداك يا نبيّ الله . فقالت عائشة : اقصري حديثك ومحادثتك ، أما ترين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُنزل عليه أخذه مثل السبات ؟ فلمّا قضى الوحي قال : " ادعي زوجك " . فجاء ، فقرأ ما نزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } ثم بيّن حكم الظهار ، وجعل فيه الكفّارة ، فقال سبحانه : { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ } إلى آخرها ، قالت عائشة : تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلّها ، إنّ المرأة لتحاور رسول الله وأنا في ناحية البيت أسمع بعض كلامها ويخفى عليَّ بعضه ، إذ أنزل سبحانه : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ } الآيات .

فلمّا نزلت هذه الآيات وتلاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " هل تستطيع أن تعتق رقبة ؟ " . قال : إذن يذهب مالي كلّه . الرقبة غالية وأنا قليل المال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ " . قال : والله يا رسول الله ، إني إذا لم آكل في اليوم ثلاث مرات كلّ بصري وخشيت أن تعشو عيني . قال : " فهل تستطيع أن تطعم ستّين مسكيناً ؟ " . قال : لا والله ، إلاّ أن تعينني على ذلك يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنّي معينك بخمسة عشر صاعاً ، وأنا داع لك بالبركة " .

فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعاً واجتمع لهما أمرهما " فذلك قوله : { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ منكم مِن نِّسَآئِهِمْ } ،