الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَظۡلِمُونَ} (9)

وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } إلى قوله تعالى { يِظْلِمُونَ } يجحدون قال حذيفة : صاحب الموازين يوم القيامة جبرائيل يقول الله تعالى " يا جبرائيل زن بينهم فردَّ بعضهم على بعض " قال : وليس ثمّ ذهب ولا فضّة وإن كان للظالم حسنات أخذ من حسناته فيرد على المظلوم وإن لم يكن له حسنات يحمل عليه من سيئات صاحبه ، يرجع الرجل وعليه مثل الجبال .

قال ابن عباس : توزن الحسنات والسيئات في ميزان لسان وكفتان فأمّا المؤمن فيؤتي بعمله في أحسن صورة فيرتفع في كفّة الميزان وهو الحق فينقل حسناته على سيئاته فيوضع عمله في الجنّة يعرفها بعمله فذلك قوله : { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الناجون ولهم غرف بمنازلهم في الجنّة إذا أنصرفوا إليها من أهل [ الجنّة ] إذا أنصرفوا إلى منازلهم .

وأمّا الكفّار فيؤتى بأعمالهم في أقبح صورة فيوضع في كفّة الميزان وهي الباطل فيخفّ وزنه حتّى يقع في النار ثمّ يقال للكافر : إلحق بعملك .

فإن قيل : كيف تصح وزن الأعمال وهي غراض وليست بأجسام فيجوز وزنها ووصفها بالثقل والخفة وإنما توزن الاعمال التي فيها أعمال العباد مكتوبة .

يدلّ عليه حديث عبد الله بن عمر ، وقال : يؤتى بالرجل يوم القيامة إلى الميزان ثمّ خرج له تسعة وتسعون سجلاًّ كلّ سجل منها مثل مدى البصر فيها خطاياه وذنوبه فيوضع في الكفّة ثمّ يُخرج له كتاب مثل الأنملة فيها شهادت أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم يوضع في الكفّة الأُخرى فيرجّح خطاياه وذنوبه ، ونظير هذه الآية قوله

{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } [ الأنبياء : 47 ] .

فإنّ قيل : لِما جمعه وهو ميزان واحد .

قيل : يجوز أن يكون [ أعظم ] جميعاً ومعناه واحد كقوله

{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ } [ آل عمران : 173 ]

{ يأَيُّهَا الرُّسُلُ } [ المؤمنون : 51 ] وقال الأعشي :

ووجه نقي اللون صاف يزيّنه *** مع الجيد لبّات لها ومعاصم

أراد لبّة ومعصماً .

وقيل : أراد به الأعمال الموزونة .

وقيل : الأصل ميزان عظيم ولكل عبد فيه ميزان معلّق به .

وقيل : جمعه لأن الميزان ما اشتمل على الكفتين والشاهدين واللسان ولا يحصل الوزن إلاّ باجتماعهما .

وقيل : الموازين أصله : ميزان يفرق به بين الحق والباطل وهو العقل ، وميزان يفرّق بين الحلال والحرام وهو العلم ، وميزان يفرّق به بين السعادة والشقاوة هو عدم سهو الإرادة ، وبالله التوفيق .