هذه الآيةُ تدلُّ على أنَّ أهْلَ القِيَامَةِ فَريقَانِ ، منهم من يزيد حسناته على سيئاته ، ومنهم من يزيد سيئاته على حسناته ، فأمَّا القسمُ الثَّالثُ ، وهُو الَّذين تكُونُ حَسنَاتُهُ وسيئاته متعادلة فإنه غير موجود .
قال أكثر المفسرين{[15780]} : المراد ب " مَنْ خَفَّت مَوازِينُهُ " الكافر لقوله تعالى : { فأولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ } ، ولا معنى لكون الإنْسَانِ ظالماً بآياتِ اللَّه إلاَّ كونه كَافِراً بها مُنْكِراً لها ، وهذا هو الكَافِرُ .
وروي أنّه إذا خَفَّتْ حَسَنَاتُ المُؤمِنِ يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بِطَاقَة كالأنْمُلَةٍ فيلقيها في كفَّةِ الميزان اليمنى التي فيها حسناته فترجح ، فيقوُلُ ذلك العَبْدُ المُؤمِنُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : " بِأبي أنْتَ وأمِّي ، ما أحْسَنَ وَجْهَكَ وأحْسَنَ خَلْقَكَ فَمَنْ أنْتَ ؟
فَيَقُولُ : " أنا نَبِّيُكَ مُحَمَّد ، وهذه صَلَواتكَ الَّتِي كُنْتَ تُصَلِّيها عَلَيَّ ، وقَدْ وَفَيْتُكَ أَحْوَجَ ما تكُونُ إلَيْهَا{[15781]} " رواه الواحِدِيُّ في " البَسيطِ " .
والخبر الذي تقدَّم أيضاً من أنَّهُ تعالى يُلْقِي في كفه الحسنات الكتاب المُشْتَمِلَ علىشهادةِ أنْ لا إله إلاّ الله وأنَّ محمداً رسول الله ، وأمَّا قول ابن عباس ، وأكثر المفسرين حملوا هذه الآية على أهل الكفر .
وقال أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - حين حضره الموت لعمر بن الخطاب في وصَّيتهِ : إنَّمَا ثقلت مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِيِنُهُ يَوْمَ القِيامَةِ باتِّباعِهِم الحقَّ في الدُّنْيَا ، وثقله عليهم ، وحُقَّ لميزان يوضع فيه الحقُّ غداً أن يكون ثَقِيلاً ، وإنَّما خَفَّتْ مَوَازينُ من خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ باتِّباعِهِم البَاطِلَ في الدُّنْيَا ، وخفته عليهم ، وحقَّ لميزانٍ يُوضَعُ فيه البَاطِلُ غداً أن يكُونَ خَفِيفاً{[15782]} .
قوله : " بِمَا كَانُوا " متعلِّقٌ ب " خَسِرُوا " ، و " مَا " مَصْدريَّةٌ ، و " بِآيَاتِنَا " متعلِّقٌ ب " يَظْلِمُونَ " قُدِّمَ عليه للفَاصِلَةِ . وتعدَّى " يَظْلِمُونَ " بالباءِ : إمَّا لتَضَمُّنِهِ معنى التَّكْذيب نحو : { كَذَّبُواْ بِأَيَاتِنَا } وإمَّا لِتَضَمُّنِهِ معنى الجَحْدِ نحو { وَجَحَدُواْ بِهَا } [ النمل : 14 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.