اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَظۡلِمُونَ} (9)

هذه الآيةُ تدلُّ على أنَّ أهْلَ القِيَامَةِ فَريقَانِ ، منهم من يزيد حسناته على سيئاته ، ومنهم من يزيد سيئاته على حسناته ، فأمَّا القسمُ الثَّالثُ ، وهُو الَّذين تكُونُ حَسنَاتُهُ وسيئاته متعادلة فإنه غير موجود .

قال أكثر المفسرين{[15780]} : المراد ب " مَنْ خَفَّت مَوازِينُهُ " الكافر لقوله تعالى : { فأولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ } ، ولا معنى لكون الإنْسَانِ ظالماً بآياتِ اللَّه إلاَّ كونه كَافِراً بها مُنْكِراً لها ، وهذا هو الكَافِرُ .

وروي أنّه إذا خَفَّتْ حَسَنَاتُ المُؤمِنِ يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بِطَاقَة كالأنْمُلَةٍ فيلقيها في كفَّةِ الميزان اليمنى التي فيها حسناته فترجح ، فيقوُلُ ذلك العَبْدُ المُؤمِنُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : " بِأبي أنْتَ وأمِّي ، ما أحْسَنَ وَجْهَكَ وأحْسَنَ خَلْقَكَ فَمَنْ أنْتَ ؟

فَيَقُولُ : " أنا نَبِّيُكَ مُحَمَّد ، وهذه صَلَواتكَ الَّتِي كُنْتَ تُصَلِّيها عَلَيَّ ، وقَدْ وَفَيْتُكَ أَحْوَجَ ما تكُونُ إلَيْهَا{[15781]} " رواه الواحِدِيُّ في " البَسيطِ " .

والخبر الذي تقدَّم أيضاً من أنَّهُ تعالى يُلْقِي في كفه الحسنات الكتاب المُشْتَمِلَ علىشهادةِ أنْ لا إله إلاّ الله وأنَّ محمداً رسول الله ، وأمَّا قول ابن عباس ، وأكثر المفسرين حملوا هذه الآية على أهل الكفر .

وقال أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - حين حضره الموت لعمر بن الخطاب في وصَّيتهِ : إنَّمَا ثقلت مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِيِنُهُ يَوْمَ القِيامَةِ باتِّباعِهِم الحقَّ في الدُّنْيَا ، وثقله عليهم ، وحُقَّ لميزان يوضع فيه الحقُّ غداً أن يكون ثَقِيلاً ، وإنَّما خَفَّتْ مَوَازينُ من خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ باتِّباعِهِم البَاطِلَ في الدُّنْيَا ، وخفته عليهم ، وحقَّ لميزانٍ يُوضَعُ فيه البَاطِلُ غداً أن يكُونَ خَفِيفاً{[15782]} .

قوله : " بِمَا كَانُوا " متعلِّقٌ ب " خَسِرُوا " ، و " مَا " مَصْدريَّةٌ ، و " بِآيَاتِنَا " متعلِّقٌ ب " يَظْلِمُونَ " قُدِّمَ عليه للفَاصِلَةِ . وتعدَّى " يَظْلِمُونَ " بالباءِ : إمَّا لتَضَمُّنِهِ معنى التَّكْذيب نحو : { كَذَّبُواْ بِأَيَاتِنَا } وإمَّا لِتَضَمُّنِهِ معنى الجَحْدِ نحو { وَجَحَدُواْ بِهَا } [ النمل : 14 ] .


[15780]:انظر: تفسير الرازي 14/23.
[15781]:انظر: المصدر السابق (14/23) وذكره القشيري في "تفسيره" كما في القرطبي (7/108).
[15782]:ذكره البغوي في تفسيره 2/149.