الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

{ لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ } قال ابن عباس : ومن تاب الله عليه لم يعذبه أبداً .

واختلفوا في معنى التوبة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أهل التفسير : بإذنه للمنافقين في التخلف عنهم ، وقال أهل المعاني : هو مفتاح كلام ما كان هو صنف توبتهم ذكر معهم كقوله

{ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [ الأنفال : 41 ] ونحوه { وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ } أي في وقت العسرة ولم يرد ساعة بعينها . قال جابر : عسرة الظهر وعسرة الزاد وعسرة الماء .

قال الحسن : كان الناس من المسلمين يخرجون على بعير يعقبونه بينهم يركب الرجل ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه ، كذلك كان زادهم التمر المسوس والشعير والأهالة المنتنة وكان النفر منهم يخرجون ما معهم إلاّ التمرات بينهم فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ثم يعطيها صاحبه فيمصها ثم يشرب عليها جرعة من الماء كذلك حتى يأتي على آخرهم فلا يبقى من التمرة إلاّ النواة فمضوا [ في قيض شديد ] ورسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقتهم ويقينهم .

وقال ابن عباس : " قيل لعمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ما في شأن العسرة ؟ فقال عمر : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [ إلى قيض شديد ] فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش حتى قلنا أن رقابنا ستقطع ، حتى أن الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع ، وحتى أنّ الرجل سينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده ، فقال أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) لرسول الله : إن الله قد عودك في الدعاء خيراً فادع لنا ، قال : «تحب ذلك » ؟ قال : نعم ، فرفع يديه ولم يرجع بها حتى أظلت السماء بسحاب ثم سكبت فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر " .

{ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ } تميل { قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } لعظم البلاء ، وقرأ العامة : تزاغ ، بالتاء ودليله قراءة عبد الله قال : ( زغيّهم ) ، قراءة حمزة والأعمش والجحدري والعباس بن زيد الثقفي بالياء . قال الأعمش : قرأتها بالياء في نية التأخير وفيه ضمير فاعل { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ *