الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{كَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا فَٱسۡتَمۡتَعُواْ بِخَلَٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِي خَاضُوٓاْۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (69)

{ كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } يعني فعلتم كفعل الذين كانوا من قبلكم ولُعنتم وعُذّبتم كما لعن الذين كانوا من قبلكم من كفار الأُمم الخالية { كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً } بطشاً ومنعة { وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَاسْتَمْتَعُواْ } وتمتعوا وانتفعوا { بِخَلاقِهِمْ } بنصيبهم من الدنيا ورضوا به عوضاً من الآخرة .

قال أبو هريرة : الخلاق : الدين { فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ } في الباطل والكذب على الله وتكذيب رسله والاستهزاء بالمؤمنين { كَالَّذِي خَاضُواْ } أراد كالذين خاضوا وذلك أن ( الذي ) اسم ناقص مثل ( ما ) و( من ) يعبّر بها عن الواحد والجميع نظير قوله :

{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ } [ البقرة : 17 ] ثم قال :

{ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ } [ البقرة : 17 ] قال الشاعر :

وإنّ الذي حانت بفلج دماؤهم *** هم القوم كل القوم يا أم خالد

وأن شئت جعلت ( الذي ) إشارة إلى ضمير ، وقوله : خضتم كالخوض الذي خاضوا فيه إلى قوله الخاسرون .

روى أبو هريرة " عن النبي صلى الله عليه وسلم : لتأخذن كما أخذت الامم من قبلكم ذراعاً بذراع وشبراً بشبر وباعاً بباع ، حتى لو أن أحد من ثمّ أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه ، قال أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم { كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً } الآية ، قالوا : يارسول الله كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب ، قال : " وهل الناس إلا هم " " .

قال ابن عباس في هذه الآية : ما اشبه الليلة بالبارحة ، هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم ، وقال ابن مسعود : أنتم أشبه الأُمم ببني إسرائيل سمتاً وهدياً ، تتبعون عملهم حذو القذّة بالقذّة غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا .

وقال حذيفة : المنافقون الذين فيكم اليوم شرٌّ من المنافقين الذي كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قلنا : وكيف ؟ قال : أُولئك كانوا يخفون نفاقهم وهؤلاء أعلنوه .