القول في تأويل قوله تعالى : { وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ } .
يقول تعالى ذكره : واستفتحت الرسل على قومها : أي استنصرت الله عليها . وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنيدٍ يقول : هلك كل متكبر جائر حائد عن الإقرار بتوحيد الله وإخلاص العبادة له . والعنيد والعاند والعنود بمعنى واحد ، ومن الجبار تقول : هو جبار بيّن الجَبَرِية والجَبَروتية والجَبْرُوّة والجَبَرُوت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَاسْتَفْتَحُوا قال : الرسل كلها ، يقول : استنصروا على أعدائهم ومعانديهم : أي على من عاند عن اتباع الحقّ وتجنبه .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَاسْتَفْتَحُوا قال : الرسل كلها استنصروا . وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : معاند للحقّ مجانبه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وقال ابن جريج : استفتحوا على قومهم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم ، ويَقْهَرونهم ، ويكذّبونهم ، ويدعونهم إلى أن يعودوا في ملّتِهم ، فأبى الله عزّ وجلّ لرسله وللمؤمنين أن يعودوا في ملّة الكفر ، وأمرهم أن يتوكّلوا على الله ، وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة ، ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم ، فأنجز الله لهم ما وعدهم ، واستفتحوا كما أمرهم أن يستفتحوا . وَخابَ كُلّ جَبارٍ عَنِيدٍ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله : وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : هو الناكب عن الحقّ أي الحائد عن اتباع طريق الحقّ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا مطرف ، عن بشر ، عن هشيم ، عن مغيرة ، عن سماك ، عن إبراهيم : وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : الناكب عن الحقّ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيدُ ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَاسْتَفْتَحُوا يقول : استنصرت الرسل على قومها ، قوله : وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ والجبار العنيد : الذي أبى أن يقول : لا إله إلا الله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَاسْتَفْتَحُوا قال : استنصرت الرسل على قومها . وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ يقول : بعيد عن الحقّ مُعرض عنه .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله ، وزاد فيه : معرض عنه ، أبى أن يقول : لا إله إلا الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : العنيد عن الحقّ الذي يعند عن الطريق ، قال : والعرب تقول : شرّ الإبل العنيد الذي يخرج عن الطريق .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ قال : الجبار : هو المتجبر .
وكان ابن زيد يقول في معنى قوله : وَاسْتَفْتَحُوا خلاف قول هؤلاء ، ويقول : إنما استفتحت الأمم ، فأجيبت .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاسْتَفْتَحُوا قال : استفتاحهم بالبلاء ، قالوا : اللهمّ إن كان هذا الذي أتى به محمد هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء كما أمطرتها على قوم لوط ، أو ائتنا بعذاب أليم قال : كان استفتاحهم بالبلاء كما استفتح قوم هود . ائْتِنا بِمَا تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ قال : فالاستفتاح : العذاب . قال : قيل لهم : إن لهذا أجلاً ، حين سألوا الله أن ينزل عليهم ، فقال : بل نؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ، فقالوا : لا نريد أن نؤخر إلى يوم القيامة رَبّنا عَجّلْ لنَا قِطّنَا عذابنا قَبْلَ يَوْمِ الحِسَابِ . وقرأ : وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعَذَابِ وَلَوْلا أجَلٌ مُسَمّى لَجاءَهُمُ العَذَابُ حتى بلغ : وَمِنْ تَحْتِ أرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .
جملة { واستفتحوا } يجوز أن تكون معطوفة على جملة { فأوحى إليهم ربهم } ، أو معترضة بين جملة { ولنسكننكم الأرض من بعدهم } وبين جملة { وخاب كل جبار عنيد } . والمعنى : أنهم استعجلوا النصر . وضمير { استفتحوا } عائد إلى الرسل ، ويكون جملة { وخاب كل جبار عنيد } عطفاً على جملة { فأوحى إليهم ربهم } الخ ، أي فوعدهم الله النصر وخاب الذين كفروا ، أي لم يتحقق توعدهم الرسل بقولهم : { لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا } . ومقتضى الظاهر أن يقال : وخاب الذين كفروا ، فعدل عنه إلى { كل جبار عنيد } للتنبيه على أن الذين كفروا كانوا جبابرة عنداء وأن كل جبار عنيد يخيب .
ويجوز أن تكون جملة { استفتحوا } عطفاً على جملة { وقال الذين كفروا لرسلهم } ويكون ضمير { استفتحوا } عائداً على الذين { كفروا } ، أي وطلبوا النصر على رسلهم فخابوا في ذلك . ولكون في قوله : { وخاب كل جبار عنيد } إظهار في مقام الإضمار عدل عن أن يقال : وخابوا ، إلى قوله : { كل جبار عنيد } لمثل الوجه الذي ذكر آنفاً .
والاستفتاح : طلب الفتح وهو النصر ، قال تعالى : { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } [ سورة الأنفال : 19 ] .
والجبار : المتعاظم الشديد التكبر .
والعنيد المعاند للحق . وتقدماً في قوله : { واتبعوا أمر كل جبار عنيد } في سورة هود ( 59 ) . والمراد بهم المشركون المتعاظمون ، فوصف جبار } خلُق نفساني ، ووصف { عنيد } من أثر وصف { جبار } لأن العنيد المكابر المعارض للحجة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.