القول في تأويل قوله تعالى : { وَحَرّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَىَ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ومنعنا موسى المراضع أن يرتضع منهنّ من قبل أمه . ذكر أن أختا لموسى هي التي قالت لآل فرعون : هَلْ أدُلكُمْ عَلى أهْلِ بَيْتٍ يكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَه ناصِحونَ . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمور ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أرادوا له المرضعات ، فلم يأخذ من أحد من النساء ، وجعل النساء يطلبن ذلك لينزلن عند فرعون في الرضاع ، فأبى أن يأخذ ، فذلك قوله : وَحَرّمْنا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ أخته هَلْ أدُلكُمْ عَلىْ أهْلِ بَيْتٍ يكْفُلُونه لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ فلما جاءت أمه أخذ منها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَحَرّمْنا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ قال : لا يقبل ثدي امرأة حتى يرجع إلى أمه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن حسان ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس وَحَرّمْنا عَلَيْهِ المَرَاضعَ مِنْ قَبْلُ قال : كان لا يؤتى بمرضع فيقبلها .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله : وَحَرّمْنا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِنْ قَبْل قال : لا يرضع ثدي امرأة حتى يرجع إلى أمه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَحَرّمْنا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ قال : جعل لا يؤتى بامرأة إلا لم يأخذ ثديها ، قال : فَقَالَتْ أخته هَلْ أدُلّكُمْ على أهْلِ بَيْتٍ يكْفُلُونَه لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : جمعوا المراضع حين ألقى الله محبتهم عليه ، فلا يؤتى بامرأة فيقبل ثديها فيرمضهم ذلك ، فيؤتي بمرضع بعد مرضع ، فلا يقبل شيئا منهنّ فَقَالَتْ لهم أخته حين رأيت من وجدهم به ، وحرصهم عليه هَلْ أدُلُكُمْ عَلى أهْلِ بَيْتٍ يكْفُلُونَهُ لَكُمْ ، ويعني بقوله يكْفُلُونَهُ لَكُمْ : يضمونه لكم . وقوله : وَهُمْ لَهُ ناصِحونَ ذكر أنها أخذت ، فقيل : قد عرفته ، فقالت : إنما عنيت أنهم للملك ناصحون . ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما قالت أخته هَلْ أدُلّكُمْ عَلى أهْلِ بَيْتٍ يكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ أخذوها ، وقالوا : إنك قد عَرَفت هذا الغلام ، فدلينا على أهله ، فقالت : ما أعرفه ، ولكني إنما قلت : هم للملك ناصحون .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله هَلْ أدُلّكُمْ عَلى أهْلِ بَيْتٍ يكْفُلونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحونَ قال : فعِلْقُوها حين قالت : وهم له ناصحون ، قالوا : قد عرفته ، قالت : إنما أردت هم للملك ناصحون .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق وَهُمْ لَهُ ناصحون أي لمنزلته عندكم ، وحرصكم على مسرّة الملك ، قالوا : هاتي .
الواو للحال من ضمير { لأخته } [ القصص : 11 ] . والتحريم : المنع ، وهو تحريم تكويني ، أي قدّرنا في نفس الطفل الامتناع من التقام أثداء المراضع وكراهتها ليضطر آل فرعون إلى البحث عن مرضع يتقبّل ثديها ؛ لأن فرعون وامرأته حريصان على حياة الطفل ، ومن مقدمات ذلك أن جعل الله إرضاعه من أمه مدة تعود فيها بثديها .
ومعنى { من قبل } من قبل التقاطه وهو إيذان بأن ذلك التحريم مما تعلق به علم الله وإرادته في الأزل .
والفاء في قوله { فقالت } فاء فصيحة تؤذن بجملة مقدرة ، أي فأظهرت أخته نفسها كأنها مرت بهم عن غير قصد . وإنما قالت ذلك بعد أن فشا في الناس طلب المراضع له وتبديل مرضعة عقب أخرى حتى عُرض على عدد كثير في حصة قصيرة ، وذلك بسرعة مقدرة آل فرعون وكثرة تفتيشهم على المراضع حتى ألفوا عدداً كثيراً في زمن يسير ، وأيضاً لعرض المراضع أنفسهن على آل فرعون لما شاع أنهم يتطلبون مرضعاً .
وعرضت سعيها في ذلك بطريق الاستفهام المستعمل في العرض تلطّفاً مع آل فرعون وإبعاداً للظنة عن نفسها .
ومعنى { يكفلونه } يتعهدون بحفظه وإرضاعه . فيدل هذا على أن عادتهم في الإرضاع أن يسلم الطفل الرضيع إلى المرأة التي ترضعه يكون عندها كما كانت عادة العرب لأن النساء الحرائر لم يكن يرضين بترك بيوتهن والانتقال إلى بيوت آل الأطفال الرضعاء . كما جاء في خبر إرضاع محمد صلى الله عليه وسلم عند حليمة بنت وهب في حي بني سعد بن بكر . قال صاحب « الكشاف » : فدفعه فرعون إليها وأجرى لها وذهبت به إلى بيتها .
والعدول عن الجملة الفعلية إلى الإسمية في قوله { وهم له ناصحون } لقصد تأكيد أن النصح من سجاياهم ومما ثبت لهم فلذلك لم يقل : وينصحون له كما قيل { يكفلونه لكم } لأن الكفالة أمر سهل بخلاف النصح والعناية .
وتعليق { له } ب { ناصحون } ليس على معنى التقييد بل لأنه حكاية الواقع . فالمعنى : أن النصح من صفاتهم فهو حاصل له كما يحصل لأمثاله حسب سجيتهم . والنصح : العمل الخالص الخلي من التقصير والفساد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.