القول في تأويل قوله تعالى : { وَكُلاّ نّقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرّسُلِ مَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِي هََذِهِ الْحَقّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىَ لِلْمُؤْمِنِينَ } .
يقول تعالى ذكره : { وكُلاّ نَقْصّ عَلَيْكَ } ، يا محمد ، { مِنْ أنْباءِ الرّسُلِ } الذين كانوا قبلك ، { ما نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } ، فلا تجزع من تكذيب من كذّبك من قومك وردّ عليك ما جئتهم به ، ولا يضق صدرك فتترك بعض ما أنزلت إليك من أجل أن قالوا : { لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أوْ جاء مَعَهُ مَلَكٌ } ، إذا علمت ما لقى من قبلك من رسلي من أممها . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { وكُلاّ نَقُصّ عليكَ مِنْ أنْباءِ الرّسُلِ ما نُثَبّت بِهِ فُؤدَاكَ } ، قال : لتعلم ما لقيت الرسل قبلك من أممهم .
واختلف أهل العربية في وجه نصب «كلاّ » ، فقال بعض نحويي البصرة : نُصب على معنى : ونقصّ عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك كلاّ ، كأن الكل منصوب عنده على المصدر من نقص بتأويل : ونقصّ عليك ذلك كل القصص .
وقد أنكر ذلك من قوله بعض أهل العربية ، وقال : ذلك غير جائز ، وقال إنما نصبت «كلاّ » ب «نقصّ » ، لأن «كلاّ » بنيت على الإضافة كان معها إضافة أو لم يكن . وقال : أراد : كله نقصّ عليك ، وجعل «ما نثبت » ردّا على «كُلاّ » . وقد بيّنت الصواب من القول في ذلك .
وأما قوله : { وَجاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقّ } ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : وجاءك في هذه السورة الحقّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا شعبة ، عن خليد بن جعفر ، عن أبي إياس ، عن أبي موسى : { وَجاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقّ } ، قال : في هذه السورة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن خليد بن جعفر ، عن أبي إياس معاوية بن قرة ، عن أبي موسى ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثني سعيد بن عامر ، قال : حدثنا عوف ، عن أبي رجاء ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَجاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقّ } ، قال : في هذه السورة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن أبي عوانة ، عن أبي بشر ، عن عمرو العنبري ، عن ابن عباس : { وَجاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقّ } ، قال : في هذه السورة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن أبي عوانة ، عن أبي بشر ، عن رجل من بني العنبر ، قال : خطبنا ابن عباس فقال : { وَجاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقّ } ، قال : في هذه السورة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، قال : سمعت ابن عباس قرأ هذه السورة على الناس حتى بلغ : { وَجاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقّ } ، قال : في هذه السورة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن عوف ، عن مروان الأصغر ، عن ابن عباس أنه قرأ على المنبر : { وَجاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقّ } ، فقال : في هذه السورة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن ليث ، عن مجاهد : { وَجاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقّ } ، قال : في هذه السورة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَجاءَكَ } ، في هذه السورة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شريك ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : هذه السورة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعيد ، قال : أخبرنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، مثله .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أبو رجاء ، عن الحسن ، في قوله : { وَجاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقّ } ، قال : في هذه السورة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، بمثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، مثله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن أبان بن تغلب ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وَجاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقّ } ، قال : في هذه السورة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، قال : سمعت الحسن البصري يقول في قول الله تعالى : { وَجاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقّ } ، قال : يعني : في هذه السورة .
وقال آخرون : معنى ذلك : وجاءك في هذه الدنيا الحقّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة : { وَجاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقّ } ، قال : في هذه الدنيا .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن قتادة : { وَجاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقّ } ، قال : كان الحسن يقول : في الدنيا .
وأولى التأويلين بالصواب في تأويل ذلك ، قول من قال : وجاءك في هذه السورة الحقّ ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك تأويله .
فإن قال قائل : أو لم يجىء النبي صلى الله عليه وسلم الحقّ من سورة القرآن إلا في هذه السورة ، فيقال : وجاءك في هذه السورة الحقّ ؟ قيل له : بلى قد جاءه فيها كلها .
فإن قال : فما وجه خصوصه إذن في هذه السورة بقوله : { وَجاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقّ } ؟ قيل : إن معنى الكلام : وجاءك في هذه السورة الحقّ مع ما جاءك في سائر سور القرآن ، أو إلى ما جاءك من الحقّ في سائر سور القرآن ، لا أن معناه : وجاءك في هذه السورة الحقّ دون سائر سور القرآن .
وقوله : { وَمَوعِظَةٌ } ، يقول : وجاءك موعظة تعظ الجاهلين بالله وتبين لهم عِبره ممن كفر به وكذّب رسله . { وَذِكْرَى للْمؤمِنِينَ } ، يقول : وتذكرة تذكر المؤمنين بالله ورسله ، كي لا يغفلوا عن الواجب لله عليهم .
قوله : { وكلاًّ } مفعول مقدم ب { نقص }{[6546]} وقيل : هو منصوب على الحال ، وقيل على المصدر .
قال القاضي أبو محمد : وهذان ضعيفان ، و { ما } بدل من قوله : { كلاًّ }{[6547]} ، و { نثبت به فؤادك } أي نؤنسك فيما تلقاه ، ونجعل لك الأسوة في مَنْ تقدمك مِن الأنبياء ، وقوله : { في هذه } قال الحسن : هي إشارة إلى دار الدنيا ، وقال ابن عباس : إلى السورة والآيات التي فيها ذكر قصص الأمم ، وهذا قول الجمهور .
قال القاضي أبو محمد : ووجه تخصيص هذه السورة بوصفها ب { الحق } - والقرآن كله حق - أن ذلك يتضمن معنى الوعيد للكفرة والتنبيه للناظر ، أي جاءك في هذه السورة الحق الذي أصاب الأمم الظالمة ، وهذا كما يقال عند الشدائد : جاء الحق وإن كان الحق يأتي في غير شديدة وغير ما وجه ، ولا يستعمل في ذلك : جاء الحق ، ثم وصف أيضاً أن ما تضمنته السورة هي { موعظة وذكرى للمؤمنين } ؛ فهذا يؤيد أن لفظة { الحق } إنما تختص بما تضمنت من وعيد للكفرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.