جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَـٰٓأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ} (26)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيّ الأمِينُ } .

يقول تعالى ذكره : قالت إحدى المرأتين اللتين سقى لهما موسى لأبيها حين أتاهُ موسى ، وكان اسم إحداهما صَفّورا ، واسم الأخرى لَيّا ، وقيل : شَرْفا كذلك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاجِ ، عن ابن جُرَيج ، قال : أخبرني وهب بن سليمان الرمادي ، عن شعيب الجَبَئِي ، قال : اسم الجاريتين لَيّا ، وصَفّورا ، وامرأة موسى صفورا ابنة يثرون كاهن مدين ، والكاهن : حبر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : إحداهما صَفّورا ابنة يثرون وأختها شرفا ، ويقال : ليا ، وهما اللتان كانتا تذودان .

وأما أبوهما ففي اسمه اختلاف ، فقال بعضهم : كان اسمه يثرون . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمر بن مرّة ، عن أبي عُبيدة ، قال : كان الذي استأجر موسى ابنُ أخي شعيب يثرون .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي عُبيدة ، قال : الذي استأجر موسى يثرون ابنُ أخي شعيب عليه السلام .

وقال آخرون : بل اسمه : يَثَرى . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا العلاء بن عبد الجبار ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي حمزة ، عن ابن عباس قال : الذي استأجر موسى : يثرى صاحب مدين .

حدثني أبو العالية العبديّ إسماعيل بن الهيثم ، قال : حدثنا أبو قُتيبة ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي حمزة ، عن ابن عباس ، قال : الذي استأجر موسى : يثرى صاحب مدين .

حدثني أبو العالية العبديّ إسماعيل بن الهيثم ، قال : حدثنا أبو قُتيبة ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي حمزة ، عن ابن عباس ، قال : اسم أبي المرأة : يثرى .

وقال آخرون : بل اسمه شعيب ، وقالوا : هو شعيب النبيّ صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا قرّة بن خالد ، قال : سمعت الحسن يقول : يقولون شعيب صاحب موسى ، ولكنه سيد أهل الماء يومئذٍ .

قال أبو جعفر : وهذا مما لا يُدرك علمه إلا بخبر ، ولا خبر بذلك تجب حجته ، فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله جلّ ثناؤه وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرأتَيْنِ تَذُودَانِ . . . قالَتْ إحْداهُما : يا أبَتِ اسْتَأَجِرْهُ تعني بقولها : استأجره ليرعى عليك ماشيتك إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيّ الأمِينٌ تقول : إن خير من تستأجره للرعي القويّ على حفظ ماشيتك والقيام عليها في إصلاحها وصلاحها ، الأمين الذي لا تخاف خيانته ، فيما تأمنه عليه . وقيل : إنها لما قالت ذلك لأبيها ، استنكر أبوها ذلك من وصفها إياه فقال لها : وما علمك بذلك ، فقالت : أما قوّته فما رأيت من علاجه ما عالج عند السقي على البئر ، وأما الأمانة فما رأيت من غضّ البصر عني . وبنحو ذلك جاءت الأخبار عن أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ بن زيد ، عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : قالَتْ إحْداهُما يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيّ الأَمِينُ قال : فأحفظته الغَيْرة أن قال : وما يدريك ما قوّته وأمانته ؟ قالت : أما قوّته ، فما رأيت منه حين سقى لنا ، لم أر رجلاً قطّ أقوى في ذلك السقي منه وأما أمانته ، فإنه نظر حين أقبلت إليه وشخصت له ، فلما علم أني امرأة صوّب رأسه فلم يرفعه ، ولم ينظر إليّ حتى بلغته رسالتك ، ثم قال : امشي خلفي وانعتي لي الطريق ، ولم يفعل ذلك إلا وهو أمين ، فَسُرّيَ عن أبيها وصدّقها وظنّ به الذي قالت .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله لموسى إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيّ الأمِينُ يقول : أمين فيما وَلِيَ ، أمين على ما استُودع .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : قالَتْ إحْدَاهُما يا أبَتِ اسْتَأَجِرْهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأجرْتَ القَويّ الأمِينُ قال : إن موسى لمّا سَقَى لَهما ، ورأت قوّته ، وحرّك حجَرا على الركِيّة ، لم يستطعه ثلاثون رجلاً ، فأزاله عن الركية ، وانطلق مع الجارية حين دعته ، فقال لها : امشي خلفي وأنا أمامك ، كراهية أن يرى شيئا من خلفها مما حرّم الله أن ينظر إليه ، وكان يوما فيه ريح .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عبد الرحمن بن أبي نعم ، في قوله : يا أبَتِ اسْتأجِرْهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتأجَرْتَ القَوِيّ الأمِينُ قال لها أبوها : ما رأيت من أمانته ؟ قالت : لما دعوته مشيت بين يديه ، فجعلت الريح تضرب ثيابي ، فتلزق بجسدي ، فقال : كوني خلفي ، فإذا بلغت الطريق فاذهبي ، قالت : ورأيته يملأ الحوض بسَجْلٍ واحد .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : القَوِيّ الأمِينُ قال : غضّ طرفه عنهما . قال محمد بن عمرو في حديثه : حين ، أو حتى سقى لهما فصدرتا . وقال الحارث في حديثه : حتى سقى بغير شك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قال : فتح عن بئر حجرا على فيها ، فسقى لهما بها ، والأمين : أنه غضّ بصره عنهما حين سقى لهما فصدرتا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر وهانىء بن سعيد ، عن الحجاج ، عن القاسم ، عن مجاهد إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجْرَتَ القَوِيّ الأمِينُ قال : رفع حجرا لا يرفعه إلا فِئام من الناس .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، قال عمرو بن ميمون ، في قوله القَوِيّ الأمِينُ قال : كان يوم ريح ، فقال : لا تمشي أمامي ، فيصفك الريح لي ، ولكن امشي خلفي ودلّيني على الطريق قال : فقال لها : كيف عرفت قوّته ؟ قالت : كان الحجر لا يطيقه إلا عشرة فرفعه وحده .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني أبو معاوية ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن الحكم ، عن شريح في قوله : القَوِيّ الأَمِينُ قال : أما قوّته : فانتهى إلى حجر لا يرفعه إلا عشرة ، فرفعه وحده . وأما أمانته : فإنها مشت أمامه فوصفها الريح ، فقال لها : امشي خلفي وصفي لي الطريق .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عمرو ، عن زائدة ، عن الأعمش ، قال : سألت تميم بن إبراهيم : بم عرفت أمانته ؟ قال : في طرفه ، بغضّ طرفه عنها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتأْجَرْتَ القَوِيّ الأَمِينُ قال : القويّ في الصنعة ، الأمين فيما وَلِي . قال : وذُكر لنا أن الذي رأت من قوّته : أنه لم تلبث ماشيتها حتى أرْواها وأن الأمانة التي رأت منه أنها حِين جاءت تدعوه ، قال لها : كوني ورائي ، وكره أن يستدبرها ، فذلك ما رأت من قوّته وأمانته .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة ، قوله : يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتأْجَرْتَ القَوِيّ الأَمِينُ قال : بلغنا أن قوته كانت سرعة ما أروى غنمهما . وبلغنا أنه ملأ الحوض بدلو واحد . وأما أمانته فإنه أمرها أن تمشي خلفه .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : قالَتْ إحْداهُما : يا أبَتِ اسْتَأْجْرِهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتأْجَرْتَ القَوِيّ الأمِينُ وهي الجارية التي دعته ، قال الشيخ : هذه القوّة قد رأيت حين اقتلع الصخرة ، أرأيت أمانته ، ما يدريك ما هي ؟ قالت : مشيت قدّامه فلم يحبّ أن يخونني في نفسي ، فأمرني أن أمشي خلفه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قالَتْ إحْدَاهُما : يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتأْجَرْتَ القَوِي الأميِنُ فقال لها : وما عِلْمك بقوته وأمانته ، فقالت : أما قوّته فإنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان ، وكان لا يكشفها دون سبعة نفر . وأما أمانته فإني لما جئت أدعوه قال : كوني خَلْفَ ظهري ، وأشيري لي إلى منزلك ، فعرفت أن ذلك منه أمانة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قالَتْ يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيّ الأمِينُ لما رأت من قوّته وقوله لها ما قال : أَنِ امشي خلفي ، لئلا يرى منها شيئا مما يكره ، فزاده ذلك فيه رغبة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَـٰٓأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ} (26)

فلما فرغ كلامهما قالت الابنة التي ذهبت عنه { يا أبت استأجره } الآية ، فما وصفته بالقوة والأمانة قال لها أبوها ومن أين عرفت هذا منه ؟ فقالت : أما قوته ففي رفع الصخرة وأما أمانته ففي تحرجه من النظر إليَّ وقت هبوب الريح ، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم ، فقال له عند ذلك الأب { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتيَّ } .