تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَـٰٓأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ} (26)

[ الآية 26 ] وقوله تعالى : { قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } قال أهل التأويل : قال أبوهما لما قالت له استأجره فإنه قوي أمين : ما قوته وأمانته ؟

فقالت : أما قوته فإنه رفع الحجر من رأس البئر وحده ، وكان لا يطيقه إلا كذا كذا نفرا ، ونزح الدلو من البئر وحده ، وكان لا يطيق{[15305]} نزحه إلا كذا كذا [ نفرا ]{[15306]} فتلك قوته .

وأما أمانته فإنه قال لي : امشي خلفي ، وصفي لي الطريق . فتلك أمانته .

ولكن قد كانت تعرف أمانته قبل ذلك : لما جرى بينه وبينهما من المعاملة حين قال لهما : ما خطبكما ؟ وحين سقى لهما . في مثل هذا تعرف أمانته في ترك النظر إليهما وترك الاعتراض لما يوجب التهمة ، والله أعلم .

[ وفي قولها ]{[15307]} : { يا أبت استأجره } [ دليل على أنه كان أبوهما ]{[15308]} في طلب أجير قوي أمين ، لكنه{[15309]} لا يجد ، ولا يظفر به . لذلك{[15310]} قالت له : { استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } إذ لا يحتمل أن يكون له ماشية ، وله غنى ، وبه حاجة إلى رعي ذلك وسقيه ، وقد بلغ من الكبر والضعف ما ذكر : يرسل ابنتيه في الرعي والسقي ، ولا يستأجر الأجير ليتولى ذلك دون بناته . هذا لا يحتمل ذلك ، وخاصة ما وصف [ الله تعالى ]{[15311]} ابنته من الحياء حين{[15312]} قال : { فجاءته إحداهما تمشي على استحياء } [ القصص : 25 ] .

دل ذلك أنه كان في طلب الأجير ، وإنما أرسل ابنتيه في سقي الغنم ، وهو مضطر إلى ذلك محتاج إليه . لذلك قالت له : { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } .


[15305]:- في الأصل وم: يطيقه.
[15306]:- ساقطة في الأصل وم.
[15307]:- من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: وقولها.
[15308]:- من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: كأن أباهما كان.
[15309]:- من م، في الأصل: لكنا.
[15310]:- في الأصل وم: كذلك.
[15311]:- من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[15312]:- في الأصل وم: حيث.