{ قالت إحداهما يا أبت استاجره إن خير من استاجرت القوي الامين }[ 26 ] .
قال : يا بنية ما علمك بأمانته وقوته ؟ قالت : أما قوته : فرفعه الحجر ولا يطيقه إلا عشرة رجال{[53521]} ، وأما أمانته ، فقال لي : امشي خلفي{[53522]} وصفي{[53523]} لي الطريق ، فإني أكره أن يصيب{[53524]} الريح ثيابك ، فيصف لي جسدك .
قال عبد الرحمن بن أبي نعيم{[53525]} : قال لها أبوها : ما رأيت من قوته ؟ قالت : رأيته{[53526]}يملأ الحوض بسجل واحد ، قال : فما رأيت من أمانته ؟ قالت : لما دعوته مشيت بين يديه ، فجعلت الريح تضرب ثيابي{[53527]} فتلتصق إلى جسدي فقال لي : كوني خلفي فإذا بلغت الطريق فآذنيني{[53528]} . وروى عبد الله بن الصامت عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال{[53529]} : إن سئلت/ ، أي الأجلين قضى موسى ، فقل : خيرهما{[53530]} وأوفاهما ، وإن سئلت أي المرأتين تزوج ، فقل الصغرى منهما{[53531]} : وهي التي جاءت إليه{[53532]} ، وهي التي قالت : { يا أبت استاجره }[ 26 ] .
قال ابن عباس : سأل النبي جبريل صلى الله عليهما وسلم{[53533]} : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : أتمهما{[53534]} .
وروى{[53535]} عتبة بن المنذر السهمي{[53536]} من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما أراد موسى فراق شعيب{[53537]} أمر امرأته أن تسأل أباها من نتاج غنمه ، ما يعيشون به فأعطاهما ما وضعت غنمه من قالب{[53538]} لون ذلك العام .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلما وردت الحوض ، وقف{[53539]} موسى بإزاء الحوض ، فلم تمر{[53540]} به شاة{[53541]} إلا ضرب جنبها بعصا ، فوضعت قوالب ألوان كلها ، ووضعت اثنين وثلاث كل شاة{[53542]} ووصف النبي عليه السلام{[53543]} أنه لا عيب في شيء منها من عيوب الغنم ، وقال{[53544]} : إذا فتحتم الشام وجدتم بقايا منها ، وهي السامرية .
قال{[53545]} ابن عباس : فجعل يغرف لهما في الدلو ماء كثيرا{[53546]} حتى{[53547]}كانتا أول الرعاء ريا فانصرفتا إلى أبيهما{[53548]} بغنمها .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه{[53549]} : لما سقى الرعاء غطوا على البئر صخرة لا يقلعها إلا عشرة رجال ، فجاء موسى فاقتلعها ، فسقى لهما دلوا واحدا لم يحتج{[53550]} إلى غيرها .
ثم قال تعالى : { فقال{[53551]} رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير }[ 24 ] ، أي محتاج ، سأل النبي{[53552]} صلى الله عليه وسلم ربه ولم يطلب أجرا على سقيه .
روي{[53553]} أنه كان صلى الله عليه وسلم بجهد شديد فأسمع ذلك المرأتين تعريضا لهما أن يطعماه مما به من شدة الجوع .
والخير هنا شبعة من طعام ، قاله ابن عباس وغيره{[53554]} .
قال ابن عباس : جاع موسى عليه السلام{[53555]} حتى كادت ترى{[53556]} أمعاؤه من ظاهر الصفاق . وقال : ورد الماء وإن خضرة البقل لترى في بطنه من الهزال{[53557]} .
قال مجاهد : ما سأل{[53558]} ربه إلا الطعام{[53559]} .
قال ابن عباس{[53560]} : لقد{[53561]} قال موسى { رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير }[ 24 ] ، وما أحد أكرم على الله جل ذكره منه ، ولقد افتقر إلى شق ثمرة ، ولقد لزق بطنه بظهره من الجوع ، والفعل من فقير ، فقر{[53562]} ، وافتقر .
قوله تعالى ذكره{[53563]} : { فجاءته إحداهما تمشي على استحياء }[ 25 ] ، إلى قوله : { لعلكم{[53564]} تصطلون }[ 29 ] ، أي فجاءته موسى{[53565]} إحدى المرأتين تمشي على استحياء .
قيل : أتته مستترة بكم ذرعها ، واضعة يدها على وجهها{[53566]} .
وقيل{[53567]} : على استحياء منه ، وفي الكلام حذف . والتقدير : فذهبتا إلى أبيهما{[53568]} قبل وقتهما ، فخبرتاه بخبر موسى وسقيه ، فأرسل وراءه بإحداهما{[53569]} فجاءته تمشي على استحياء ، فقالت له{[53570]} : { إن أبي يدعوك ليجزيك }[ 25 ] ، أي ليثيبك أجر ما سقيت غنمنا .
{ فلما جاءه وقص عليه القصص }[ 25 ] ، أي فمضى موسى معها ، فلما جاءه وأخبره خبره مع فرعون وقومه من القبط ، قال له شعيب : { لا تخف نجوت من القوم الظالمين }[ 25 ] ، ولم يكن لفرعون يومئذ سلطان على مدين وناحيتها .
وقيل{[53571]} : إنه لم يكن شعيبا ، إنما كان مؤمنا جد أهل ذلك الماء والأول أشهر ، وفيه اختلاف سنذكره .
قال ابن عباس{[53572]} : استنكر شعيب{[53573]} سرعة صدورهما{[53574]} بغنمهما ، فقال : إن لكما اليوم لشأنا ، فأخبرتاه الخبر ، فأرسل إحداهما خلفه .
قال السدي{[53575]} : أتته تمشي على استحياء منه فقالت له : { إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا }[ 25 ] ، فقام معها ، وقال لها : امشي فمشت بين يديه ، فضربتها الريح ، فنظر إلى عجيزتها ، فقال لها موسى : امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت ، فلما جاء الشيخ ، وقص عليه خبره قال له{[53576]} : { لا تخف نجوت من القوم الظالمين }[ 25 ] .
وروي{[53577]} أنه قال لها : إنا لا ننظر في أدبار النساء ، فأخبرت أباها بقوله .
قال مالك : مشى خلفها ثم قال لها : امشي خلفي ، فإني عبراني لا أنظر في{[53578]} أدبار النساء ، فإن أخطأت فصفي{[53579]} لي الطريق ، فمشى بين يديها وتبعته ، ثم قالت إحداهما لأبيها{[53580]} { يا أبت استاجره }[ 26 ] ، أي لرعي غنمك ، والقيام عليها { إن خير من استاجرت القوي الامين }[ 26 ] .
وروي{[53581]} عن ابن عباس أنه قال{[53582]} : لما قالت له{[53583]} { القوي الامين } اختطفته الغيرة فقال لها أبوها : وما يدريك ما قوته ، وأمانته ؟ فقالت{[53584]} له{[53585]} : أما قوته فما رأيت منه حين سقى لنا لم أر رجلا / ، قط أقوى في ذلك السقاء منه ، وأما أمانته فإنه نظر{[53586]} حين أقبلت إليه ، وشخصت له ، فلما علم أني امرأة صوب{[53587]} برأسه فلم يرفعه ، ولم ينظر إلي حين بلغته{[53588]} رسالتك ، ثم قال لي{[53589]} : امشي خلفي ، وانعتي{[53590]} لي الطريق ، فلم يفعل ذلك إلا وهو أمين ، فسري عنه{[53591]} وصدقها{[53592]} ، فمعناه{[53593]} القوي على حفظ ماشيتك وإصلاحها{[53594]} ، الأمين عليها ، فلا تخاف{[53595]} منه فيها خيانة .
وقيل : إنه رفع عن البئر حجرا لا يرفعه إلا فئام{[53596]} من الناس ، فتلك قوته . قاله مجاهد{[53597]} .
وقيل{[53598]} : استقى بدلو لم يكن يرفعه إلا جملة من الناس .
واسم إحدى المرأتين " ليا " والأخرى " صفور " {[53599]} وهي امرأة موسى ، وهي الصغيرة .
قال{[53600]} ابن إسحاق{[53601]} : اسم إحداهما صقورة{[53602]} والأخرى شرقا{[53603]} .
ويقال{[53604]} : ليا ، واختلف في أبيهما{[53605]} . فقال الحسن{[53606]} : يقولون هو شعيب النبي صلى الله عليه وسلم .