جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَٰلَيۡتَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِينُ} (38)

القول في تأويل قوله تعالى : { حَتّىَ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظّلَمْتُمْ أَنّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } .

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : حتى إذَا جاءَنا فقرأته عامة قرّاء الحجاز سوى ابن محيصن ، وبعض الكوفيين وبعض الشاميين «حتى إذَا جاءانا » على التثنية بمعنى : حتى إذا جاءنا هذا الذي عَشِيَ عن ذكر الرحمن ، وقرينه الذي قيض له من الشياطين . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة وابن محيصن : حتى إذَا جاءَنا على التوحيد ، بمعنى : حتى إذا جاءنا هذا العاشي من بني آدم عن ذكر الرحمن .

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا المعنى وذلك أنّ في خبر الله تبارك وتعالى عن حال أحد الفريقين عند مقدمه عليه فيما أقرنا فيه في الدنيا ، الكفاية للسامع عن خبر الاَخر ، إذ كان الخبر عن حال أحدهما معلوما به خبر حال الاَخر ، وهما مع ذلك قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : حتى إذَا جاءَانا هو وقرينه جميعا .

وقوله : يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المُشْرقَيْنِ يقول تعالى ذكره : قال أحد هذين القرينين لصاحبه الاَخر : وددت أن بيني وبينك بعد المشرقين : أي بُعد ما بين المشرق والمغرب ، فغلب اسم أحدهما على الاَخر ، كما قيل : شبه القمرين ، وكما قال الشاعر :

أخَذْنا بآفاقِ السّماءِ عَلَيْكُمُ *** لنَا قَمَرَاهَا والنّجُومُ الطّوَالِعُ

وكما قال الاَخر :

فَبَصْرَةُ الأزْدِ مِنّا والعِرَاقُ لنَا *** والمَوْصِلانِ وَمِنّا مِصْرُ والحَرَمُ

يعني : الموصل والجزيرة ، فقال : الموصلان ، فغلب الموصل .

وقد قيل : عنى بقوله بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ : مشرق الشتاء ، ومشرق الصيف ، وذلك أن الشمس تطلع في الشتاء من مشرق ، وفي الصيف من مشرق غيره وكذلك المغرب تغرب في مغربين مختلفين ، كما قال جلّ ثناؤه : رَبّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ .

وذُكر أن هذا قول أحدهما لصاحبه عند لزوم كل واحد منهما صاحبه حتى يورده جهنم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن سعيد الجريري ، قال : بلغني أن الكافر إذا بُعث يوم القيامة من قبره ، سفعَ بيده الشيطان ، فلم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار ، فذلكم حين يقول : يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين ، فبئس القرين . وأما المؤمن فيوكّل به مَلك فهو معه حتى قال : إما يفصل بين الناس ، أو نصير إلى ما شاء الله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَٰلَيۡتَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِينُ} (38)

{ حتى إذا جاءنا } أي العاشي ، وقرأ الحجازيان وابن عامر وأبو بكر " جاءانا " أي العاشي والشيطان . { قال } أي العاشي للشيطان . { يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين } بعد المشرق من المغرب ، فغلب المشرق وثنى وأضيف البعد إليهما . { فبئس القرين } أنت .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَٰلَيۡتَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِينُ} (38)

وقرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر ، وابن عامر وأبو جعفر وشيبة وقتادة والزهري والجحدري : «حتى إذا جاءانا » على التثنية ، يريد العاشي والقرين ، قاله سعيد الجريري وقتادة . وقرأ أبو عمرو والحسن وابن محيصن والأعرج وعيسى والأعمش وعاصم{[10209]} وحمزة والكسائي : «جاءنا » يريد العاشي وحده . وفاعل : { قال } هو العاشي .

وقوله : { بعد المشرقين } يحتمل ثلاثة معان ، أحدهما : أن يريد بعد المشرق من المغرب ، فسماهما مشرقين ، كما يقال : القمران والعمران ، قال الفرزدق :

لما قمراها والنجوم الطوالع{[10210]} . . . والثاني : أن يريد مشرق الشمس في أطول يوم ، ومشرقها في أقصر يوم ، فكأنه أخذ نهايتي المشارق . والثالث : أن يريد { بعد المشرقين } من المغربين ، فاكتفى بذكر { المشرقين } .


[10209]:أي: في رواية حفص عنه.
[10210]:هذا عجز بيت قاله الفرزدق من قصيدة له في الفخر بآبائه، والبيت بتمامه: أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع ويريد بالقمرين الشمس والقمر، ثناهما تغليبا، وهذا هو موضع الشاهد هنا، والآفاق: جمع أفق وهو الناحية، وقد استشهد الفراء بهذا البيت في (معاني القرآن)، والتغليب أن يُجمع بين الاسمين على تسمية أشهرهما، وقد كثر ذلك في العربية، فمنه ما ذكر هنا وهو القَمَران للشمس والقمر، ومنه العمران لأبي بكر وعمر، والبصرتان للبصرة والكوفة، والعصران للغداة والعصر، قال الفراء: وأنشدني رجل من طيئ: فبصرة الأزد منا والعراق لنا والموصلان، ومنا مصر فالحرم يريد: الجزيرة والموصل.