الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَٰلَيۡتَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِينُ} (38)

وقرأ نافع وغيره : { حَتَّى إذَا جَاءنَا } على التثنية ، يريد : العاشي والقرين ؛ قاله قتادة وغيره ، وقرأ أبو عمرو وغيره : ( جَاءَنا ) يريد العاشي وحدَه ، وفاعل { قَالَ } هو العَاشِي ، قال الفَخْرُ : ورُوِيَ أَنَّ الكافر إذا بُعِثَ يوم القيامة من قبره أَخَذَ شَيْطَانٌ بيده ، فلم يُفَارِقْهُ حتى يصيِّرهما اللَّه إلى النار ، فذلك حيث يقول : { يا ليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين } انتهى .

وقوله : { بُعْدَ المشرقين } يحتمل مَعَانِيَا :

أحدها : أن يريد بُعْدَ المشرق من المغرب ، فَسَمَّاهما مَشْرِقَيْنِ ؛ كما يقال القَمَرَانِ ، والعُمَرَانِ .

والثاني : أنْ يريد مشرق الشمس في أطول يوم ، ومشرقها في أقصر يوم .

والثالث : أنْ يريد بعد المشرقَيْنِ من المغربين ، فاكتفي بذكر المشرقين .

( ت ) : واستبعد الفَخْرُ التأويل الثاني قال : لأَنَّ المقصودَ من قوله : { يا ليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين } المبالغةُ في حصول البُعْدِ ، وهذه المبالغة إنَّما تحصل عند ذكر بُعْدٍ لا يمكن وُجُودُ بُعْدٍ أزيدَ منه ، والبُعْدُ بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف ليس كذلك ، فَيَبْعُدُ حَمْلُ اللَّفْظِ عليه ؛ قال : والأكْثَرُونَ عَلَى التأويل الأَوَّلِ ، انتهى .