البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَٰلَيۡتَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِينُ} (38)

وقرأ أبو جعفر ، وشيبة ، وقتادة ، والزهري ، والجحدري ، وأبو بكر ، والحرميان : حتى إذا جاآنا ، على التثنية ، أي العاشي والقرين إعادة على لفظ من والشيطان ، وإن كان من حيث المعنى صالحاً للجمع .

وقرأ الأعمش ، والأعرج ، وعيسى ، وابن محيصن ، والإخوان : جاءنا على الإفراد ، والضمير عائد على لفظ من أعاد أولاً على اللفظ ، ثم جمع على المعنى ، ثم أفرد على اللفظ ؛ ونظير ذلك : { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً } أفرد أولاً ثم جمع في قوله : { خالدين } ، ثم أفرد في قوله : { له رزقاً } .

روى أنهما يجعلان يوم البعث في سلسلة ، فلا يفترقان حتى يصيرهما الله إلى النار قال ، أي الكافر للشيطان : { ياليت بين وبينك بعد المشرقين } .

تمنى لو كان ذلك في الدنيا حتى لا يصدّه عن سبيل الله ، أو تمنى ذلك في الآخرة ، وهو الظاهر ، لأنه جواب إذا التي للاستقبال ، أي مشرقي الشمس : مشرقها في أقصر يوم من السنة ، ومشرقها في أطول يوم من السنة ، قاله ابن السائب ، أو بعد المشرق ، أو المغرب غلب المشرق فثناهما ، كما قالوا : العمران في أبي بكر وعمر ، والقمران في الشمس والقمر ، والموصلان في الجزيرة والموصل ، والزهدمان في زهدم وكردم ، والعجاجان في رؤبة والعجاج ، والأبوان في الأب والأم ، وهذا اختيار الفراء والزجاج ، ولم يذكره الزمخشري .

قال : فإن قلت : فما بعد المشرقين ؟ قلت : تباعدهما ، والأصل بعد المشرق من المغرب ، والمغرب من المشرق ، فلما غلب وجمع المفترقين بالتثنية ؛ أضاف البعد إليهما . انتهى .

وقيل : بعد المشرقين من المغربين ، واكتفى بذكر المشرقين .

وكأنه في هذا القول يريد مشرقي الشمس والقمر ومغربيهما .

{ فبئس القرين } : مبالغة منه في ذم قرينه ، إذا كان سبب إيراده النار .

والمخصوص بالذم محذوف ، أي فبئس القرين أنت .