اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَٰلَيۡتَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِينُ} (38)

قوله تعالى : { حتى إِذَا جَاءَنَا } قرأ أبو عمرو والأخوان وحفص «جاءنا » بإسناد الفعل إلى ضمير مفرد يعود على لفظ «من » وهو العاتِي ، وحينئذ يكون هذا مما حمل فيه على اللفظ ، ثم على المعنى ثم على اللفظ ، فإنه حمل أولاً على لفظها في قوله : «نُقَيِّضْ لَهُ . . فَهُوَ لَهُ » ثم جمع على معناها في قوله : { وإنهم ليصونهم } . . . ويحسبون أنهم ثم رجع إلى لفظها في قوله : «جَاءَنَا » والباقون : «جاءانا » مسنداً إلى ضمير تثنية{[49853]} ، وهما العاتِي وقرينه جُعلا في سلسلة واحدة فحينئذ يقول الكافر لقرينه { يا ليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين } أي بعد مابين المشرق والمغرب ، فغُلِّبت إحدَاهُما على الآخر ، كالقمرين والعمرين قال الفرزدق :

4405 . . . . . . . . . . . . . *** لَنَا قَمَرَاهَا وَالنُّجُومُ الطَّوَلِعُ{[49854]}

ويقولن للكوفة والبصرة : البَصْرَتَان ، والغَدَاةِ والعَصْر : العصران ، ولأبي بكر ، وعمر : العُمرَان وللماء والثمر : الأسْوَدَان{[49855]} وقيل : أراد بالمشرقين : مَشْرِق الصيف ومشرق الشتاء والأول أصلح{[49856]} . وقيل : بُعْدُ المشْرِقَيْنِ مِن المَغْرِبَيْنِ{[49857]} . وقال ابن الخطيب : إن أهل النجوم يقولون : إن الحركة التي تكون من المشرق إلى المغرب هي حركة الفَلَك الأعظم ، والحركة التي من المغرب إلى المشرق هي حركة الكواكب الثابتة والأفلاك المميلة{[49858]} والسيارات سوى القمر ، وإذا كان كذلك المشرق والمغرب كل واجد منهما مشرِق بالنسبة إلى شيء ومغرب بالنسبة إلى شيء آخر . فثبت أن إطلاق لفظ المشرق على كل واحد من الجهتين حقيقة ثم ذكر وجهاً آخرَ ، وهو أن الحِسَّ يدل على أن الحركة اليومية إنما تحصل بطلوع الشمس من المشرق إلى المغرب ، وأما من المغرب فإنه يظهر في أول الشهر في جانب المغرب ، ثم لا يزال يتقدم إلى جانب المشرق وذلك يدل على أن حركة القمر من المغرب .

وإذا ثبت هذا بالجانب المسمى بالمَشْرِق ، فإنه مشرق الشمس ولكنه مغرب القمر . وأما الجانب المسمَّى بالمغرب فإنه مشرق القمر ولكنه مغرب الشمس ، وبهذا التقدير يصح تسمية المشرق والمغرب بالمشرقين . قال : «ولعل هذا الوجه أقرب إلى مطابقة اللفظ من سائر الوجوه »{[49859]} . وهذا ليس بشيء ، فإن ظهور القمر من المغرب ما كان لكونه أشرق من المغرب إنما كان ظهورها لغيبوبة شُعَاع الشَّمْسِ عنه ، وإنما كان إشراقه وظهوره من المشرق الحقيقي ولكنه كان مختفياً بشعاع الشمس .

قوه : { فَبِئْسَ القرين } والمخصوص بالذم محذوف أي أنت . قال أبو سعيد الخدري : «إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير بِهِ إلى النار »{[49860]} .


[49853]:من القراءات المتواترة انظر السبعة 586، والإتحاف 386 ومعاني الفراء 3/33 والبحر المحيط 8/16، والدر المصون 4/785، والكشاف 3/488.
[49854]:عجز بيت من الطويل له، صدره: أخذنا بأفاق السماء عليكم ................................... والبيت شاهد على تغليب القمر على الشمس والقمر في قوله: قمراها. وانظر معاني الزجاج 4/142 والمقتضب 4/326، والمغني 687 شرح شواهده للسيوطي 13/ و964 والطبري 25/44، ومجمع البيان 9/74 وتفسير الفخر الرازي 27/213 والقرطبي 16/91 والفراء 3/33.
[49855]:انظر القرطبي 16/91.
[49856]:السابق ومعاني الفراء 3/33.
[49857]:قاله الزجاج في معاني القرآن 4/412.
[49858]:في الرازي: الممثلة التي للسيارات سوى القمر.
[49859]:قاله الرازي في التفسير الكبير 27/213.
[49860]:القرطبي 16/91.