القول في تأويل قوله تعالى : { وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً * والنّاشِرَاتِ نَشْراً * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً * عُذْراً أَوْ نُذْراً } .
اختلف أهل التأويل في معنى قول الله : وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا فقال بعضهم : معنى ذلك : والرياح المرسلات يتبع بعضها بعضا ، قالوا : والمرسَلات : هي الرياح . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي ، عن المسعودي ، عن سَلَمة بن كَهيَل ، عن أبي العُبيدين أنه سأل ابن مسعود فقال : والمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : الريح .
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : حدثنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا المسعودي ، عن سَلَمة بن كهيل ، عن أبي العُبيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود ، فذكر نحوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم ، عن أبي العُبيدين ، قال : سألت عبد الله بن مسعود ، فذكر نحوه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله والمُرْسَلاتِ عُرْفا يعني الريح .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبيد الله بن معاذ ، قال : ثني أبي ، عن شعبة ، عن إسماعيل السديّ ، عن أبي صالح صاحب الكلبي في قوله وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : هي الرياح .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : الريح .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سَلَمَة بن كهيل ، عن مسلم البطين ، عن أبي العُبيدين ، قال : سألت عبد الله عن المُرْسَلاتِ عُرْفا قال : الريح .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : هي الريح .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : والملائكة التي تُرسَل بالعرف . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، قال : كان مسروق يقول في المرسلات : هي الملائكة .
حدثنا إسرائيل بن أبي إسرائيل ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : حدثنا شعبة ، عن سليمان ، قال : سمعت أبا الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله في قوله : وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : الملائكة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ووكيع عن إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله : وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : هي الرسل ترسل بالعُرف .
حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل ، قال : سألت أبا صالح عن قوله وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : هي الرسل ترسل بالمعروف .
قالوا : فتأويل الكلام والملائكة التي أرسلت بأمر الله ونهيه ، وذلك هو العرف . وقال بعضهم : عُني بقوله عُرْفا : متتابعا كعرف الفرس ، كما قالت العرب : الناس إلى فلان عرف واحد ، إذا توجهوا إليه فأكثروا . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن داود بن الزبرقان ، عن صالح بن بريدة ، في قوله : عُرْفا قال : يتبع بعضها بعضا .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بالمرسلات عرفا ، وقد ترسل عُرْفا الملائكة ، وترسل كذلك الرياح ، ولا دلالة تدلّ على أن المعنيّ بذلك أحد الحِزْبين دون الاَخر وقد عمّ جلّ ثناؤه بإقسامه بكل ما كانت صفته ما وصف ، فكلّ من كان صفته كذلك ، فداخل في قسمه ذلك مَلَكا أو ريحا أو رسولاً من بني آدم مرسلاً .
بسم الله الرحمن الرحيم والمرسلات غرقا * فالعاصفات عصفا * والناشرات نشرا * فالفارقات فرقا * فالملقيات ذكرا إقسام بطوائف من الملائكة أرسلهن الله تعالى بأوامره متتابعة فعصفن عصف الرياح في امتثال أمره ونشرن الشرائع في الأرض أو نشرن النفوس الموتى بالجهل بما أوحين من العلم ففرقن بين الحق والباطل فألقين إلى الأنبياء ذكرا عذرا للمحقين ونذرا للمبطلين أو بآيات القرآن المرسلة بكل عرف إلى محمد صلى الله عليه وسلم فعصفن سائر الكتب والأديان بالنسخ ونشرن آثار الهدى والحكم في الشرق والغرب وفرقن بين الحق والباطل فألقين ذكر الحق فيما بين العالمين أو بالنفوس الكاملة المرسلة إلى الأبدان لاستكمالها فعصفن ما سوى الحق ونشرن أثر ذلك في جميع الأعضاء ففرقن بين الحق بذاته والباطل في نفسه فيرون كل شيء هالكا إلا وجهه فألقين ذكرا بحيث لا يكون في القلوب والألسنة إلا ذكر الله تعالى أو برياح عذاب أرسلن فعصفن ورياح رحمة نشرن السحاب في الجو ففرقن فألقين ذكرا أي تسببن له فإن العاقل إذا شاهد هبوبها وآثارها ذكر الله تعالى وتذكر كمال قدرته وعرفا إما نقيض النكر وانتصابه على العلة أي أرسلن للإحسان والمعروف أو بمعنى المتتابعة من عرف الفرس وانتصابه على الحال .
تفسير سورة المرسلات{[1]}
بسم الله الرحمن الرحيم سورة المرسلات وهي مكية في قول جمهور المفسرين وحكى النقاش انه قيل إن فيها من المدني قوله ‘ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون{[2]} ‘ المرسلات 48 على قول من قال إنها حكاية عن حال المنافقين في القيامة وإنها بمعنى قوله تعالى ‘ يدعون الى السجود فلا يستطيعون{[3]} ‘ القلم 42 وقال ابن مسعود نزلت هذه السورة ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء الحديث بطوله{[4]}
قال كثير من المفسرين : { المرسلات } ، الرسل إلى الناس من الأنبياء كأنه قال : والجماعات المرسلات ، وقال أبو صالح ومقاتل وابن مسعود : { المرسلات } الملائكة المرسلة بالوحي ، وبالتعاقب على العباد طرفي النهار ، وقال ابن مسعود أيضاً وابن عباس ومجاهد وقتادة : { المرسلات } ، الرياح ، وقال الحسن بن أبي الحسن : { المرسلات } السحاب و { عرفاً } معناه على القول الأول { عرفاً } من الله وإفضالاً{[11541]} على عباده ببعثه الرسل .
ومنه قول الشاعر : [ الحطيئة ] : [ البسيط ]
من يفعل الخير لا يعدمْ جوازيَهُ*** لا يذهب العرف بين الله والناس{[11542]}
ويحتمل أني ريد بقوله { عرفاً } أي متتابعة على التشبيه بتتابع عرف الفرس وأعراف الجبال ونحو ذلك ، والعرب تقول : الناس إلى فلان عرف واحد إذا توجهوا إليه ، ويحتمل أن يريد بالعرف أي بالحق ، والأمر بالمعروف ، وهذه الأقوال في عرف تتجه في قول من قال في { المرسلات } إنها الملائكة ، ومن قال إن { المرسلات } الرياح اتجه في العرف القول الأول على تخصيص الرياح التي هي نعمة وبها الأرزاق والنجاة في البحر وغير ذلك مما لا فقه فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.