جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ يَٰبُنَيَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًاۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ يَبُنَيّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىَ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنّ الشّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّ مّبِينٌ } .

يقول جلّ ذكره : قالَ يعقوب لابنه يوسف : { يا بُنَيّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ } ، هذه ، { عَلى إخْوَتِكَ } ، فيحسدوك ، { فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا } ، يقول : فيبغوك الغوائل ، ويناصبوك العداوة ، ويطيعوا فيك الشيطان . { إنّ الشّيْطانَ للإِنْسانِ عَدُوّ مُبِينٌ } ، يقول : إن الشيطان لآدم وبنيه عدوّ ، وقد أبان لهم عداوته وأظهرها . يقول : فاحذر الشيطان أن يغري إخوتك بك بالحسد منهم لك إن أنت قصصت عليهم رؤياك . وإنما قال يعقوب ذلك ، لأنه قد كان تبين له من إخوته قبل ذلك حسده . كما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن أسباط ، عن السديّ ، قال : نزل يعقوب الشام ، فكان همه يوسف وأخاه ، فحسده إخوته لما رأوا حبّ أبيه له ، ورأى يوسف في المنام كأن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رآهم له ساجدين ، فحدّث بها أباه فقال : { يا بُنيّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ على إخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا . . . . } ، الآية .

واختلف أهل العربية في وجه دخول اللام في قوله : { فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا } ، فقال بعض نحويي البصرة : معناه : فيتخذوا لك كيدا ، وليست مثل : { إنْ كُنْتُمْ للرّؤْيا تَعْبُرُونَ } ، تلك أرادوا أن يوصل الفعل إليها باللام كما يوصل بالباء ، كما تقول : قدمت له طعاما ، تريد : قدّمت إليه . وقال : { يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُمْ لَهُنّ } ، ومثله قوله : { قُلِ اللّهُ يَهْدِي للحَقّ } ، قال : وإن شئت كان : { فيكيدوا لك كيدا } ، في معنى : فيكيدوك ، وتجعل اللام مثل : { لِرَبّهمْ يَرْهَبُونَ } . وقد قال : { لربهم يرهبون } ، إنما هو بمكان : «ربهم يرهبون » . وقال بعضهم : أدخلت اللام في ذلك ، كما تدخل في قولهم : حمدت لك وشكرت لك ، وحمدتك وشكرتك ، وقال : هذه لام عليها الفعل ، فكذلك قوله : { فيَكيدُوا لَكَ كَيْدا } ، تقول : فيكيدوك ، ويكيدوا لك فيقصدوك ، ويقصدوا لك ، قال : و{ كيدا } : توكيد .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ يَٰبُنَيَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًاۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (5)

{ قال يا بنيّ } تصغير ابن صغره للشفقة أو الصغر السن لأنه كان ابن اثنتي عشرة سنة . وقرأ حفص هنا وفي " الصافات " بفتح الياء . { لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا } فيحتالوا لإهلاكك حيلة ، فهم يعقوب عليه السلام من رؤياه أن الله يصطفيه لرسالته وفوقه على إخوته ، فخاف عليه حسدهم وبغيهم والرؤيا كالرؤية غير أنها مختصة بما يكون في النوم ، فرق بينهما بحر في التأنيث كالقربة والقربى وهي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك ، والصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ ، فتتصور بما فيها مما يليق بها من المعاني الحاصلة هناك ، ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى الحس المشترك فصير مشاهدة ، ثم إن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية والجزئية استغنت الرؤيا عن التعبير وإلا احتاجت إليه ، وإنما عدي كاد باللام وهو متعد بنفسه لتضمنه معنى فعل يعدى به أكيدا ولذلك أكد بالمصدر وعله بقوله : { إن الشيطان للإنسان عدو مبين } ظاهر العداوة لما فعل بآدم عليه السلام وحواء فلا يألو جهدا في تسويلهم وإثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على الكيد .