جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ} (19)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وكيف يجوز أن يتخذ الله لهوا ، وله مُلك جميع من في السموات والأرض ، والذين عنده من خلقه لا يستنكفون عن عبادتهم إياه ولا يَعْيَون من طول خدمتهم له ، وقد علمتم أنه لا يستعبد والد ولده ولا صاحبته ، وكل من في السموات والأرض عبيده ، فأنى يكون له صاحبة وولد يقول : أولا تتفكرون فيما تفترون من الكذب على ربكم ؟

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلا يَسْتَحْسِرُونَ لا يرجعون .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَلا يَسْتَحْسِرُونَ لا يحسَرون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَلا يَسْتَحْسِرُونَ قال : لا يُعيون .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، قوله : وَلا يَسْتَحْسِرُونَ قال : لا يعيون .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لا يَسْتَكْبِرونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُون قال : لا يستحسرون ، لا يملّون ذلك الاستحسار ، قال : ولا يفترون ، ولا يسأَمون .

هذا كله معناه واحد والكلام مختلف ، وهو من قولهم : بعير حَسِير : إذا أعيا وقام ومنه قول علقمة بن عبدة :

بِها جِيَفُ الحَسْرَى فأمّا عِظامُها *** فَبِيضٌ ، وأمّا جِلْدُها فَصَلِيبُ

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ} (19)

{ وله من في السموات والأرض } خلقا وملكا . { ومن عنده } يعني الملائكة المنزلين منه لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك ، وهو معطوف على { من في السموات } وأفرده للتعظيم أو لأنه أعم منه من وجه ، أو المراد به نوع من الملائكة متعال عن التبوؤ في السماء والأرض أو مبتدأ خبره : { لا يستكبرون عن عبادته } لا يتعظمون عنها . { ولا يستحسرون } ولا يعيون منها ، وإنما جيء بالاستحسار الذي هو أبلغ من الحسور تنبيها على أن عبادتهم بثقلها ودوامها حقيقة بأن يستحسر منها ولا يستحسرون .