السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ} (19)

تنبيه : ما إمّا مصدرية أو موصولة أو موصوفة ، ولما حكى الله تعالى كلام الطاعنين في النبوات ، وأجاب عنها بأن أغراضهم من تلك المطاعن التمرد ، وعدم الانقياد بيّن بقوله تعالى : { وله من في السماوات } أي : الأجرام العالية ، وهي ما تحت العرش ، وجمع السماء هنا لاقتضاء تفخيم الملك ذلك ، ولما كانت عقولهم لا تدرك تعدّد الأرض وحدها ، فقال : { والأرض } أي : له ذلك خلقاً وملكاً أنه منزه عن طاعتهم ؛ لأنه هو المالك لجميع المحدثات والمخلوقات ، وعبر بمن تغليباً للعقلاء ، وقوله تعالى : { ومن عنده } أي : وهم الملائكة بإجماع الأمة ، ولأن الله تعالى وصفهم بأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، وهذا لا يليق بالبشر ، مبتدأ خبره { لا يستكبرون عن عبادته } بنوع كبر طلباً ولا إيجاداً ، وخصهم بالذكر لكرامتهم عليه تنزيلاً لهم منزلة المقرّبين عند الملك .

تنبيه : هذه العندية للشرف والرتبة لا عندية المكان والجهة ، فكأنه تعالى قال : الملائكة مع كمال شرفهم وعلو مراتبهم ، ونهاية جلالتهم لا يستكبرون عن عبادته ، فكيف يليق بالبشر الضعيف التمرد عن طاعته { و } مع ذلك أيضاً { لا يستحسرون } أي : لا يعيون ، وإنما جيء بالاستحسار الذي هو أبلغ من الحسور تنبيهاً على أن عبادتهم من ثقلها ودوامها حقيقة بأن يستحسر منها ولا يستحسرون ، ولا يطلبون أن ينقطعوا عنها ، فأنتج ذلك قوله تعالى : { يسبحون } .