قوله{[27986]} : { وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض } الآية . لما نفى اللعب عن نفسه{[27987]} ، ونفي اللعب لا يصح إلا بنفي الحاجة ، ( ونفي الحاجة ){[27988]} لا يصح إلا بالقدرة التامة عقب تلك الآية بقوله : { وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض } لدلالة ذلك على كمال الملك والقدرة . وقيل : لما حكى كلام الطاعنين في النبوات ، وأجاب عنها ، وبين أن غرضهم من تلك المطاعن التمرد ، وعدم الانقياد ، بين ههنا أنه تعالى منزه عن طاعتهم لأنه هو{[27989]} المالك بجميع المخلوقات ، ولأجل أن الملائكة مع جلالتهم مطيعون له خائفون منه فالبشر مع كونهم في نهاية الضعف أولى أن يطيعوه{[27990]} .
قوله : «وَمَنْ عِنْدَهُ » يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنه معطوف على «مَنْ » الأولى{[27991]} أخبر تعالى عن من في السماوات والأرض وعن من عنده بأن الكل له في ملكه .
وعلى هذا فيكون من باب ذكر الخاص بعد العام تنبيهاً على شرفه ، لأن قوله : { مَن فِي السماوات } شمل «مَنْ عِنْدَهُ » وقد مرَّ نظيره في قوله : «وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ »{[27992]} وقوله : «لاَ يَسْتَكْبِرُونَ » على هذا فيه أوجه :
أحدها : أنه حال من «مَنْ »{[27993]} الأولى أو الثانية أو منهما معاً . وقال أبو البقاء حال إما من «مَنْ »{[27994]} الأولى على قول من رفع بالظرف{[27995]} .
يعني : أنه إذا جعلنا «مَنْ » في قوله : { وَلَهُ مَن فِي السماوات } مرفوعاً بالفاعلية والرافع الظرف وذلك{[27996]} على رأي الأخفش{[27997]} جاز أن يكون «لا يَسْتَكْبِرُونَ » حالاً من «مَنْ » الأولى ، وإما من «من » الثانية ؛ لأن الفاعل يجيء منه الحال . ومفهومه : أنا إذا جعلناها مبتدأ لا يجيء «يَسْتَكْبِرُون » حالاً وكأنه يرى أن الحال لا يجيء من المبتدأ ، وهو رأي لبعضهم{[27998]} . ويجوز أن يكون «لاَ يَسْتَكْبِرُونَ » حالاً من الضمير المستكن في ( عنده ) الواقع صلة{[27999]} وأن يكون حالاً من الضمير المستكن في «له » الواقع خبراً{[28000]} .
والوجه الثاني من وجهي «مَنْ » : أن تكون مبتدأ و «لاَ يَسْتَكْبِرُونَ » خبره ، وهذه جملة معطوفة على جملة قبلها{[28001]} ، وهل الجملة من قوله : { وَلَهُ مَن فِي السماوات } استئنافية أو معادلة لجملة قوله : «وَلَكُمُ الويل » أي لكم الويل ولله جميع العالم علويه وسفليه والأول أظهر{[28002]} { وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } أي : لا يكلون ولا يتعبون ، يقال : استحسر البعير أي : كلَّ وتَعِب قال علقمة بن عبدة :
3706- بِهَا جِيَفُ الحَسْرَى فَأَمَّا عِظَامُهَا *** فَبِيضٌ وَأَمَّا جِلْدُهَا فَصَلِيبُ{[28003]}
ويقال : حَسِرُ البعر وحسرته أنا ، فيكون لازماً ومتعدياً{[28004]} ، وأحسرته أيضاً ، فيكون فعل وأفعل بمعنى في أحد وجهي فعل{[28005]} .
قال الزمخشري : فإن قلت : الاستحسار مبالغة في الحسور ، فكان الأبلغ في وصفهم أن ينفي عنهم أدنى الحسور . قلت : في الاستحسار بيان أن ما هم فيه يوجب غاية الحسور وأقصاه ، وأنهم أحقاء لتلك العبادات الشاقة{[28006]} بأن{[28007]} يستحسروا فبما يفعلون{[28008]} .
وهو سؤال حسن وجواب مطابق . قوله : «يُسَبِّحُون » يجوز أن يكون مستأنفاً ، وأن يكون حالاً من الفاعل في الجملة قبله{[28009]} . و «لاَ يَفْتَرُون » يجوز في الاستئناف ، والحال من فاعل «يُسَبِّحُون »{[28010]} .
دلَّت هذه الآية على أن الملك أفضل من البشر من ثلاثة أوجه تقدمت في البقرة{[28011]} . والمراد بقوله : «وَمَنْ عِنْدَهُ » هم الملائكة بالإجماع وصفهم الله تعالى بأنهم{ يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ } وهذا لا يليق بالبشر ، وهذه العندية عندية الشرف لا عندية المكان والجهة{[27986]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.