البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ} (19)

ثم أخبر تعالى أن من في السموات والأرض ملك له فاندرج فيه من سموه بالصاحبة والولد ومن عنده هم الملائكة ، واحتمل أن يكون معطوفاً على { من } فيكونون قدر اندرجوا في الملائكة بطريق العموم لدخولهم في { من } وبطريق الخصوص بالنص على أنهم من عنده ، ويكون { لا يستكبرون } جملة حالية منهم أو استئناف إخبار ، واحتمل أن يكون ومن عنده مبتدأ وخبره { لا يستكبرون } وعند هنا لا يراد بها ظرف المكان لأنه تعالى منزه عن المكان ، بل المعنى شرف المكانة وعلو المنزلة ، والظاهر أن قوله { وله من في السموات والأرض } استئناف إخبار بأن جميع العالم ملكه .

وقيل : يحتمل أن يكون معادلاً لقوله { ولكم الويل مما تصفون } كأنه يقسم الأمر في نفسه أي للمتخلفين هذه المقالة الويل ، ولله تعالى من في السموات والأرض انتهى .

والمراد أن الملائكة مكرمون منزلون لكرامتهم على الله منزلة المقرّبين عند الملوك على طريق التمثيل والبيان لشرفهم وفضلهم ، ويقال : حسر البعير واستحسر كَلَّ وتعب وحسرته أنا فهو متعد ولازم ، وأحسرته أيضاً ، وقال الشاعر :

بها جيف الحسرى فإما عظامها *** فبيض وأما جلدها فصليب

قال الزمخشري : فإن قلت : الاستحسار مبالغة في الحسور ، وكان الأبلغ في وصفهم أن ينفي عنهم أدنى الحسور قلت : في الاستحسار بيان أن ما هم فيه يوجب غاية الحسور وأقصاه ، وأنهم أخفاء لتلك العبادات الباهظة بأن يستحسروا فيما يفعلون انتهى .