فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ} (19)

{ وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض } عبيداً وملكاً ، وهو خالقهم ورازقهم ومالكهم ، فكيف يجوز أن يكون له بعض مخلوقاته شريكاً يعبد كما يعبد ، وهذه الجملة مقررة لما قبلها { وَمَنْ عِندَهُ } يعني : الملائكة ، وفيه ردّ على القائلين بأن الملائكة بنات الله ، وفي التعبير عنهم بكونهم { عنده } إشارة إلى تشريفهم وكرامتهم ، وأنهم بمنزلة المقربين عند الملوك ، ثم وصفهم بقوله : { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } أي لا يتعاظمون ولا يأنفون عن عبادة الله سبحانه والتذلل له { وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } أي لا يعيون ، مأخوذ من الحسير ، وهو البعير المنقطع بالإعياء والتعب ، يقال : حسر البعير يحسر حسوراً : أعيا وكلّ ، واستحسر وتحسر : مثله وحسرته أنا حسراً ، يتعدى ولا يتعدى . قال أبو زيد : لا يكلون ، وقال ابن الأعرابي : لا يفشلون . قال الزجاج : معنى الآية أن هؤلاء الذين ذكرتم أنهم أولاد الله ، عباد الله لا يأنفون عن عبادته ولا يتعظمون عنها كقوله : { إِنَّ الذين عِندَ رَبّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } [ الأعراف : 206 ] . وقيل : المعنى لا ينقطعون عن عبادته . وهذه المعاني متقاربة .

/خ25