فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ} (19)

{ وله من في السماوات ومن في الأرض ومنه عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ( 19 ) يسبحون الليل والنهار لا يفترون ( 20 ) أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون ( 21 ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ( 22 ) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ( 23 ) أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون ( 24 ) } .

{ وله من في السماوات ومن في الأرض } عبيدا وملكا ، وهو خالقهم ورازقهم ومالكهم والمنعم عليهم بأصناف النعم ، فكيف يجوز أن يكون بعض مخلوقاته شريكا له يعبد كما يعبد ، وهذه الجملة مستأنفة مقررة لما قبلها { ومن عنده } يعني الملائكة ، وفيه رد على القائلين بأن الملائكة بنات الله ، وفي التعبير عنهم بكونهم عنده إثر ما عبر عنهم بمن في السماوات إشارة إلى تشريفهم وكرامتهم ومزيد الاعتناء بهم وأنهم عنده بمنزلة المقربين عند الملوك :

قال أبو السعود : بطريق التمثيل وأقول أنا بل بطريق التحقيق كما هو ظاهر النظم القرآني ، ثم وصفهم بقوله : { لا يستكبرون } أي لا يتعاظمون ولا يأنفون { عن عبادته } سبحانه والتذلل له .

{ ولا يستحسرون } أي لا يعيون ولا يتعبون مأخوذ من الحسير وهو البعير المنقطع بالإعياء والتعب يقال حسر البعير يحسر حسورا أعيى وكلّ واستحسر ؛ وتحسر مثله وحسرته وحسرته أنا حسرا يتعدى ولا يتعدى ، قال أبو زيد : لا يكلّون ، وقال ابن الأعرابي : لا يفشلون ، وقال ابن عباس : لا يرجعون ، قال الزجاج : معنى الآية أن هؤلاء الذين ذكرت أنهم أولاد الله عباد الله لا يأنفون عن عبادته ولا يتعظمون عنها ، كقوله : { إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته } وقيل : المعنى لا ينقطعون عن عبادته وهذه المعاني متقاربة .