جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَـُٔوسٗا} (83)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسّهُ الشّرّ كَانَ يَئُوساً } .

يقول تبارك وتعالى : وإذا أنعمنا على الإنسان ، فنجّيناه من رب ما هو فيه في البحر ، وهو ما قد أشرف فيه عليه من الهلاك بعصوف الريح عليه إلى البرّ ، وغير ذلك من نعمنا ، أعرض عن ذكرنا ، وقد كان بنا مستغيثا دون كلّ أحد سوانا في حال الشدّة التي كان فيها وَنأَي بِجانِبِهِ يقول : وبعد منا بجانبه ، يعني بنفسه ، كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَيَ ضُرَ مَسّهُ قبل ذلك ، كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن مجاهد ، في قوله : وَنأَي بِجانِبِهِ قال : تباعد منا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

والقراءة على تصيير الهمزة في نَأَى قبل الألف ، وهي اللغة الفصيحة ، وبها نقرأ . وكان بعض أهل المدينة يقرأ ذلك «وَناء » فيصير الهمزة بعد الألف ، وذلك وإن كان لغة جائزة قد جاءت عن العرب بتقديمهم في نظائر ذلك الهمز في موضع هو فيه مؤخرّ ، وتأخيرهموه في موضع ، هو مقدّم ، كما قال الشاعر :

أعلامٌ يِقَلّلُ رَاءَ رُؤْيا *** فَهْوَ يَهْذِي بِما رأى فِي المَنامِ

وكما قال آبار وهي أبآر ، فقدموا الهمزة ، فليس ذلك هو اللغة الجُودَي ، بل الأخرى هي الفصيحة .

وقوله عزّ وجل : وَإذَا مَسّهُ الشّرّ كانَ يَئُوسا يقول : وإذا مسه الشرّ والشدّة كان قنوطا من الفرج والرّوْح .

وبنحو الذي قلنا في اليئوس ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَإذَا مَسّهُ الشّرُ كانَ يَئُوسا يقول : قَنُوطا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإذَا مَسّهُ الشّرّ كانَ يَئُوسا يقول : إذا مسه الشرّ أَيِس وقَنِط .