اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَـُٔوسٗا} (83)

ثم إنه تعالى ذكر السَّبب الأصلي في وقوع هؤلاء الجهَّال في أودية الضَّلال ، وهو حبُّ الدنيا ، والرغبة في المال والجاه ، واعتقادهم أن ذلك إنَّما يحصل بجدِّهم واجتهادهم ، فقال : { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } .

قال ابن عباس : الإنسان ها هنا هو الوليد بن المغيرة .

والأوْلى أنَّ كل إنسان من شأنه إذا فاز بمقصوده ، اغترَّ وصار غافلاً عن عبادة الله - تعالى - وتمرَّد على طاعته ؛ كما قال : { كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى } [ العلق : 6 ، 7 ] .

قوله تعالى : { وَنَأَى } : قرأ العامة{[20665]} بتقديم الهمزة على حرف العلة ؛ من النَّأي ، وهو البعدُ ، وابن ذكوان - ونقلها أبو حيان وابن الخطيب عن ابن عامر وأبو جعفر : " نَاءَ " مثل " جَاءَ " بتقديم الألف على الهمزة ، وفيها تخريجان : أحدهما : أنها من : نَاءَ ، يَنُوء ، أي : نَهضَ ؛ قال : [ الرجز ]

حتَّى إذا مَا التَأمَتْ مَفاصِلُه *** ونَاءَ في شقِّ الشِّمالِ كَاهِلُه{[20666]}

والثاني : أنه مقلوبٌ من " نَأى " ، ووزنه " فَلعَ " كقولهم في " رَأى " : " رَاءَ " إلى غير ذلك فيكونان بمعنى ، ولكن متى أمكن عدم القلب ، فهو أولى ، وهذا الخلافُ أيضاً في حم السجدة [ فصلت : 51 ] .

وأمال الألف إمالة محضة{[20667]} الأخوان ، وأبو بكرٍ ، عن عاصمٍ ، وبين بين ؛ بخلاف عنه ، السوسيُّ ، وكذلك في فصِّلت ، إلا أبا بكرٍ ؛ فإنه لم يمله{[20668]} .

وأمال فتحة النون في السورتين{[20669]} خلفٌ ، وأبو الحارث والدُّوري عن الكسائيِّ .

ثم قال : { وَإِذَا مَسَّهُ الشر } ، أي : الشِّدة ، والضر { كَانَ يَئُوساً } أيساً قنوطاً .

وقيل : معناه : أنَّه يتضرَّع ، ويدعو عند الضُّرِّ والشدَّة ، فإذا تأخَّرت الإجابة ، أيس ، ولا ينبغي للمؤمن أن يَيْئَسَ من الإجابة ، وإن تأخَّرت ، فيدع الدعاء .


[20665]:ينظر: السبعة 384، والتيسير 141، والنشر 2/308، والإتحاف 2/203، والحجة 409، والقرطبي 10/208، والرازي 1/30، والوسيط 3/124، والبحر 6/73، والحجة للقراء السبعة 5/115.
[20666]:ينظر البيت في مشكل القرآن 204، البحر المحيط 6/73، روح المعاني 15/147، التهذيب واللسان "نوأ"، الدر المصون 4/416.
[20667]:ينظر: النشر 2/43، والإتحاف 2/204، والسبعة 384، والحجة للقراء السبعة 5/116، والحجة 409.
[20668]:ينظر: الإتحاف 2/204، والدر المصون 4/416.
[20669]:ينظر: النشر 2/44، والدر المصون 4/416، 417.