البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَـُٔوسٗا} (83)

ناء ينوء : نهض .

لما ذكر تعالى تنويع ما أنزل من القرآن شفاء ورحمة للمؤمن وبزيادة خسار للظالم ، عرّض بما أنعم به وما حواه من لطائف الشرائع على الإنسان ، ومع ذلك { أعرض } عنه وبعد بجانبه اشمئزازاً له وتكبراً عن قرب سماعه وتبديلاً مكان شكر الإنعام كفره .

وقرأ الجمهور : { ونأى } من النأي وهو البعد ، وقرأ ابن عامر وناء .

وقيل هو مقلوب نأى فمعناه بعد .

وقيل : معناه نهض بجانبه .

وقال الشاعر :

حتى إذا ما التأمت مفاصله . . . ***وناء في شق الشمال كاهله

أي نهض متوكئاً على شماله .

ومعنى { يؤوساً } قنوطاً من أن ينعم الله عليه .

والظاهر أن المراد بالإنسان هنا ليس واحداً بعينه بل المراد به الجنس كقوله { إن الإنسان لربه لكنود } { إن الإنسان خلق هلوعاً } الآية وهو راجع لمعنى الكافر ، والإعراض يكون بالوجه والنأي بالجانب يكون بتولية العطف أو يراد بنأي الجانب الاستكبار لأن ذلك من عادة المستكبرين .