جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{سَلۡ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ كَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُم مِّنۡ ءَايَةِۭ بَيِّنَةٖۗ وَمَن يُبَدِّلۡ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (211)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ سَلْ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مّنْ آيَةٍ بَيّنَةٍ وَمَن يُبَدّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }

يعني بذلك جل ثناؤه : سل يا محمد بني إسرائيل الذين لا ينتظرون بالإنابة إلى طاعتي ، والتوبة إلي بالإقرار بنبوّتك وتصديقك فيما جئتهم به من عندي ، إلا أن آتيهم في ظلل من الغمام وملائكتي ، فأفصل القضاء بينك وبين من آمن بك وصدّقك بما أنزلتُ إليك من كتبي ، وفرضت عليك وعليهم من شرائع ديني وبينهم كم جئتهم به من قبلك من آية وعلامة ، على ما فرضت عليهم من فرائضي ، فأمرتهم به من طاعتي ، وتابعت عليهم من حججي على أيدي أنبيائي ورسلي من قبلك مريدة لهم على صدقهم بينة أنها من عندي ، واضحة أنها من أدلتي على صدق نُذري ورسلي فيما افترضت عليهم من تصديقهم وتصديقك ، فكفروا حججي ، وكذبوا رسلي ، وغيروا نعمي قبلهم ، وبدّلوا عهدي ووصيتي إليهم .

وأما الآية فقد بينت تأويلها فيما مضى من كتابنا بما فيه الكفاية وهي ههنا . ما :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : سَلْ بَنِي إسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيّنَةٍ ما ذكر الله في القرآن وما لم يذكر ، وهم اليهود .

حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : سَلْ بَنِي إسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيّنَةٍ يقول : آتاهم الله آيات بينات : عصا موسى ويده ، وأقطعهم البحر ، وأغرق عدوّهم وهم ينظرون ، وظلّلَ عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المنّ والسلوى . وذلك من آيات الله التي آتاها بني إسرائيل في آيات كثيرة غيرها ، خالفوا معها أمر الله ، فقتلوا أنبياء الله ورسله ، وبدلوا عهده ووصيته إليهم ، قال الله : وَمَنْ يُبَدّلْ نعْمَةَ الله مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فإنّ اللّهَ شَدِيدُ العِقاب .

وإنما أنبأ الله نبيه بهذه الاَيات ، فأمره بالصبر على من كذبه ، واستكبر على ربه ، وأخبره أن ذلك فعل من قبله من أسلاف الأمم قبلهم بأنبيائهم ، مع مظاهرته عليهم الحجج ، وأن من هو بين أظهرهم من اليهود إنما هم من بقايا من جرت عادتهم ممن قص عليه قصصهم من بني إسرائيل .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ يُبَدّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِنْ بعَدِ ما جاءَتْهُ فَإنّ اللّهَ شَديدُ العِقابِ .

يعني بالنعم جل ثناؤه الإسلام وما فرض من شرائع دينه . ويعني بقوله : وَمَنْ يُبَدّلْ نَعْمَةَ اللّهِ ومن يغير ما عاهد الله في نعمته التي هي الإسلام من العمل والدخول فيه فيكفر به ، فإنه معاقبه بما أوعد على الكفر به من العقوبة ، والله شديد عقابه ، أليم عذابه .

فتأويل الآية إذا : يا أيها الذين آمنوا بالتوراة فصدّقوا بها ، ادخلوا في الإسلام جميعا ، ودعوا الكفر ، وما دعاكم إليه الشيطان من ضلالته ، وقد جاءتكم البينات من عندي بمحمد ، وما أظهرت على يديه لكم من الحجج والعبر ، فلا تبدلوا عهدي إليكم فيه وفيما جاءكم به من عندي في كتابكم بأنه نبيي ورسولي ، فإنه من يبدّل ذلك منكم فيغيره فإني له معاقب بالأليم من العقوبة .

وبمثل الذي قلنا في قوله : وَمَنْ يُبَدّلْ نَعْمَةَ الله مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وَمَنْ يُبَدّلْ نَعْمَةَ الله مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ قال : يكفر بها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وَمَنْ يُبَدّلْ نِعْمَةَ اللّهِ قال : يقول : من يبدلها كفرا .

حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : وَمَنْ يُبَدّلْ نَعْمَةَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ يقول : ومن يكفر نعمته من بعد ما جاءته .