التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{سَلۡ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ كَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُم مِّنۡ ءَايَةِۭ بَيِّنَةٖۗ وَمَن يُبَدِّلۡ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (211)

قوله تعالى : ( سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينات ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب ) ( سل ) من السؤال وأصلها اسأل ، حذفت الهمزة وحركت السين فلا حاجة للألف فصارت سل . والفاعل ضمير يعود على المخاطب وهو الرسول ( ص ) ( بني ) مفعول به منصوب بالياء . ( إسرائيل ) مضاف إليه . ( كم ) في محل نصب مفعول به ثان مقدم للفعل آتينا . والضمير في آتيناهم في محل نصب مفعول به والميم للجمع . ( من آياته ) . ( من ) حرف جر زائد . ( آية ) تمييز .

وفي الآية إخبار عن كثرة البينات والدلائل التي أحسّها بنو إسرائيل على يدي نبيهم ومنقذهم موسى عليه السلام ، وذلك كتحول العصا إلى أفعى ، وانفلاق البحر بعد ضربه بالعصا ، ثم انبجاس الماء من الحجر الصلد بعد أن ضربه موسى بعصاه ، وكذلك تظليلهم بالغمام لوقايتهم من حر الصحراء ، وإطعامهم المن والسلوى رزقا كريما ميسورا . كل ذلك كان من جملة البراهين والآيات على صدق النبوة التي قدرها الله لكليمه موسى ، لكن ذلك لم يجد إلى أسماع بني إسرائيل أو طبائعهم وأذهانهم سبيلا ، بل صدوا عن سبيل الله ودينه صدودا وتولوا عن نداء العقل والحجة مدبرين . وذلك منهم بمثابة التبديل الأثيم لنعمة الله بالكفر والتمرد . ونعمة الله تتجلى في دينه الحق .

وقيل : المراد الإخبار عن كثرة البينات القاطعة على صدق نبوة محمد ( ص ) . فقد كانوا يتلون في كتابهم التوراة عن خبر هذا النبي الأمي وعن صفته فيعرفون عنه الخبر اليقين ، إلا أنهم ركبوا متن التعصب والحسد والشطط ، فما آمنوا ولا امتثلوا ، بل إنهم جحدوا وأنكروا هذه الحقيقة الجلية القاطعة الكبرى . وذلك هو التبديل لنعمة الله وهي الإسلام بالكفر حيث الجحود والزيغ واتباع الهوى والشهوات .

وليس من جزاء لمن يبدل نعمة الحق بالباطل إلا أن يبوء بإثمه الكبير لتكون عاقبته الهوان والتخسير ؛ لذلك قال : ( ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب ) .