غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{سَلۡ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ كَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُم مِّنۡ ءَايَةِۭ بَيِّنَةٖۗ وَمَن يُبَدِّلۡ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (211)

211

التفسير : أنه سبحانه لما أمر بالسلم ونهى عن مقابلها ثم قال : { فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات } [ البقرة : 209 ] أي فإن أعرضتم عن هذا التكليف صرتم مستحقين للتهديد . ثم بين ذلك التهديد بقوله { فأعلموا أن الله عزيز حكيم } [ البقرة : 209 ] ثم ثنى ذلك التهديد بقوله { هل ينظرون } [ البقرة : 210 ] الآية ثم ثلث التهديد بقوله { سل بني إسرائيل } والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد . وهذا السؤال سؤال تقريع كما يسأل الكفرة يوم القيامة ، وإلا فكثرة الآيات التي أوتوها معلومة بإعلام الله تعالى . والمراد سل هؤلاء الحاضرين أنا لما آتينا أسلافهم آيات بينات فأنكروها لا جرم استوجبوا العقاب من الله تعالى ، وذلك تنبيه لهؤلاء الحاضرين على أنهم لو زلوا عن آيات الله لوقعوا في العذاب كما وقع أولئك المتقدمون كي يعتبروا ويتعظوا . و{ كم } تحتمل الاستفهامية والخبرية ، و{ من آية } مميزها ، وقد فصل بين المميز وبينها بالفعل . فإن كانت استفهامية فالتقدير : سلهم عن عدد إيتائنا الآيات إياهم حتى يخبروك عن كميتها . وإن كانت خبرية فالمعنى : سلهم عن أنا كثيراً من الآيات آتيناهم . والآيات الواضحات إما معجزات موسى عليه السلام كفرق البحر وتظليل الغمام وتكليم الله إياه والعصا واليد ونحوها وهي تسع { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } [ الإسراء : 101 ] وإما الدلائل الدالة على صحة دين الإسلام فمنهم من آمن وأقر ومنهم من جحد وبدل { ومن يبدل نعمة الله } قيل : إنها الآيات والدلائل الدالة على صحة دين الإسلام وهي أجل أقسام النعم ، لأنها أسباب الهدى والنجاة من الضلالة . ثم إن قلنا : الآيات معجزات موسى فتبديلها أن الله تعالى أظهرها لتكون أسباب هدايتهم فجعلوها أسباب ضلالتهم كقوله { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 125 ] وإن قلنا : الآية البينة هي ما في التوراة والإنجيل من الدلائل على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فتبديلها تحريفها وإدخال الشبه فيها . وقيل : المراد بنعمة الله ما آتاهم من أسباب الصحة والأمن والكفاية ، فتبديلها أنهم لم يجعلوها واسطة الطاعة والقيام بما عليهم من التكاليف ، بل استعملوها في غير ما أوتيت هي لأجله . وعلى هذا فقوله { من بعد ما جاءته } معناه ظاهر ، وأما على القول الأول وهو أن المراد من النعمة لآيات فمعنى مجيئها التمكن من معرفتها أو عرفانها كقوله

{ ثم يحرفونه من بعدما عقلوه } [ البقرة : 75 ] لأنه إذا لم يتمكن من معرفتها أو لم يعرفها فكأنها غائبة . { فإن الله شديد العقاب } قال الواحدي : الرابطة محذوفة أي له . والتحقيق أن ترك هذا الإضمار أولى فإنه إذا علم كونه تعالى موصوفاً بهذا الوصف لزم من ذلك أنه يعاقب المبدل إن شاء ، ولكن لا يلزم من كونه شديد العقاب للمبدّل كونه متصفاً بذلك وصفاً ذاتياً . ثم قال الواحدي . والعقاب عذاب يعقب الجرم .

/خ214