التفسير : أنه سبحانه لما أمر بالسلم ونهى عن مقابلها ثم قال : { فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات } [ البقرة : 209 ] أي فإن أعرضتم عن هذا التكليف صرتم مستحقين للتهديد . ثم بين ذلك التهديد بقوله { فأعلموا أن الله عزيز حكيم } [ البقرة : 209 ] ثم ثنى ذلك التهديد بقوله { هل ينظرون } [ البقرة : 210 ] الآية ثم ثلث التهديد بقوله { سل بني إسرائيل } والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد . وهذا السؤال سؤال تقريع كما يسأل الكفرة يوم القيامة ، وإلا فكثرة الآيات التي أوتوها معلومة بإعلام الله تعالى . والمراد سل هؤلاء الحاضرين أنا لما آتينا أسلافهم آيات بينات فأنكروها لا جرم استوجبوا العقاب من الله تعالى ، وذلك تنبيه لهؤلاء الحاضرين على أنهم لو زلوا عن آيات الله لوقعوا في العذاب كما وقع أولئك المتقدمون كي يعتبروا ويتعظوا . و{ كم } تحتمل الاستفهامية والخبرية ، و{ من آية } مميزها ، وقد فصل بين المميز وبينها بالفعل . فإن كانت استفهامية فالتقدير : سلهم عن عدد إيتائنا الآيات إياهم حتى يخبروك عن كميتها . وإن كانت خبرية فالمعنى : سلهم عن أنا كثيراً من الآيات آتيناهم . والآيات الواضحات إما معجزات موسى عليه السلام كفرق البحر وتظليل الغمام وتكليم الله إياه والعصا واليد ونحوها وهي تسع { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } [ الإسراء : 101 ] وإما الدلائل الدالة على صحة دين الإسلام فمنهم من آمن وأقر ومنهم من جحد وبدل { ومن يبدل نعمة الله } قيل : إنها الآيات والدلائل الدالة على صحة دين الإسلام وهي أجل أقسام النعم ، لأنها أسباب الهدى والنجاة من الضلالة . ثم إن قلنا : الآيات معجزات موسى فتبديلها أن الله تعالى أظهرها لتكون أسباب هدايتهم فجعلوها أسباب ضلالتهم كقوله { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 125 ] وإن قلنا : الآية البينة هي ما في التوراة والإنجيل من الدلائل على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فتبديلها تحريفها وإدخال الشبه فيها . وقيل : المراد بنعمة الله ما آتاهم من أسباب الصحة والأمن والكفاية ، فتبديلها أنهم لم يجعلوها واسطة الطاعة والقيام بما عليهم من التكاليف ، بل استعملوها في غير ما أوتيت هي لأجله . وعلى هذا فقوله { من بعد ما جاءته } معناه ظاهر ، وأما على القول الأول وهو أن المراد من النعمة لآيات فمعنى مجيئها التمكن من معرفتها أو عرفانها كقوله
{ ثم يحرفونه من بعدما عقلوه } [ البقرة : 75 ] لأنه إذا لم يتمكن من معرفتها أو لم يعرفها فكأنها غائبة . { فإن الله شديد العقاب } قال الواحدي : الرابطة محذوفة أي له . والتحقيق أن ترك هذا الإضمار أولى فإنه إذا علم كونه تعالى موصوفاً بهذا الوصف لزم من ذلك أنه يعاقب المبدل إن شاء ، ولكن لا يلزم من كونه شديد العقاب للمبدّل كونه متصفاً بذلك وصفاً ذاتياً . ثم قال الواحدي . والعقاب عذاب يعقب الجرم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.