جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ بِمَفَازَتِهِمۡ لَا يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوٓءُ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (61)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيُنَجّي اللّهُ الّذِينَ اتّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسّهُمُ السّوَءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * اللّهُ خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } .

يقول تعالى ذكره : وينجي الله من جهنم وعذابها ، الذين اتقوه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه في الدنيا ، بمفازتهم : يعني بفوزهم ، وهي مفعلة منه . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل ، وإن خالفت ألفاظ بعضهم اللفظة التي قلناها في ذلك ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله : وَيُنْجّي اللّهُ الّذِينَ اتّقُوا بِمفَازَتِهِمْ قال : بفضائلهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَيُنْجّي اللّهُ الّذِينَ اتّقُوا بِمفَازَتِهِمْ قال : بأعمالهم ، قال : والاَخرون يحملون أوزارهم يوم القيامة وَمِنْ أوْزَارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُمْ بغَيرِ عِلْمٍ ألا ساءَ ما يَزِرُونَ .

واختلفت القراء في ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة ، وبعض قراء مكة والبصرة : بِمفَازَتِهِمْ على التوحيد . وقرأته عامة قراء الكوفة : «بِمفَازَاتِهِمْ » على الجماع .

والصواب عندي من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، لاتفاق معنييهما والعرب توحد مثل ذلك أحيانا وتجمع بمعنى واحد ، فيقول أحدهم : سمعت صوت القوم ، وسمعت أصواتهم ، كما قال جل ثناؤه : إنّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ ، ولم يقل : أصوات الحمير ، ولو جاء ذلك كذلك كان صوابا .

وقوله : لا يَمَسّهُمُ السّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يقول تعالى ذكره : لا يمس المتقين من أذى جهنم شيء ، وهو السوء الذي أخبر جل ثناؤه أنه لن يمسهم ، ولا هم يحزنون يقول : ولا هم يحزنون على ما فاتهم من آراب الدنيا ، إذ صاروا إلى كرامة الله ونعيم الجنان .