جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَدُّواْ لَوۡ تُدۡهِنُ فَيُدۡهِنُونَ} (9)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فَلا تُطِعْ يا محمد المُكَذّبِينَ بآيات الله ورسوله { وَدّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } . اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ودّ المكذّبون بآيات الله لو تكفر بالله يا محمد فيكفرون . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لَوْتُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ يقول : ودّوا لو تكفر فيكفرون .

حُدثت عن الحسين ، فقال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَدّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ قال : تكفُر فيكفرون .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَدّوا لَوْتُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ قال : تكفر فيكفرون .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ودّوا لو تُرخّص لهم فيُرخّصون ، أو تلين في دينك فيلينون في دينهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { لَو تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } يقول : لو ترخص لهم فيرخّصون .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَدّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } قال : لو تَرْكَنُ إلى آلهتهم ، وتترك ما أنت عليه من الحقّ فيمالئونك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَدّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } يقول : ودّوا يا محمد لو أدهنت عن هذا الأمر ، فأدهنوا معك .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وَدّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } قال : ودّوا لو يُدْهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيُدْهنون .

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : ودّ هؤلاء المشركون يا محمد لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم ، فيلينون لك في عبادتك إلهك ، كما قال جلّ ثناؤه : { وَلَوْلا أنْ ثَبّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئا قَلِيلاً إذًا لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ المَماتِ } وإنما هو مأخوذ من الدّهن شبه التليين في القول بتليين الدّهن .