الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَدُّواْ لَوۡ تُدۡهِنُ فَيُدۡهِنُونَ} (9)

قوله : { فَيُدْهِنُونَ } : المشهورُ في قراءةِ الناس ومصاحفِهم " فيُدْهِنون " بثبوتِ نونِ الرفع . وفيه وجهان ، أحدُهما : أنه عطفٌ على " تُدْهِنُ " فيكونُ داخلاً في حَيِّزِ " لو " . والثاني : أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ ، أي : فهم يُدْهِنون . وقال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : لِم رُفِعَ " فَيُدْهِنون " ولم يُنْصَبْ بإضمارِ " أَنْ " وهو جوابُ التمني ؟ قلت : قد عُدِل به إلى طريقٍ آخر : وهو أنْ جُعِل خبرَ مبتدأ محذوف ، أي : فهم يُدْهِنون كقوله : { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً } على معنى : وَدُّوا لو تُدْهِنُ فهم يُدْهنون حينئذٍ ، أو وَدُّوا إدهانَك فهم الآن يُدْهِنون لطَمَعِهم في إدْهانِك : قال سيبويه : " وزعم هارونُ أنها في بعضِ المصاحفِ : " وَدُّوا لو تُدْهِنُ فيُدِهنوا " انتهى .

وفي نصبه على ما وُجد في بعضِ المصاحفِ وجهان ، أحدهما : أنه عطفٌ على التوهُّمِ ، كأنه تَوَهَّم أَنْ نَطَقَ ب " أَنْ " فَنَصَبَ الفعلَ على هذا التوهُّم ، وهذا إنما يجيءُ على القولِ بمصدرية " لو " وفيه خلافٌ مرَّ محققاً في البقرة . والثاني : أنه نُصِبَ على جواب التمني المفهومِ مِنْ " وَدَّ " والظاهرُ أنَّ " لو " هنا حرفٌ لِما كان سيقعُ لوقوعِ غيرِه ، وأن جوابَها محذوفٌ ، ومفعولُ الوَدادةِ أيضاً محذوفٌ تقديرُه : وَدُّوا إدهانَك ، فحُذِفَ " إدْهانَك " لدلالةِ " لو " وما بعدها عليه . وتقديرُ الجوابِ لسُرُّوا بذلك .