إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَدُّواْ لَوۡ تُدۡهِنُ فَيُدۡهِنُونَ} (9)

{ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ } فإنَّه تعليلٌ للنَّهيِ أو للانتهاءِ ، وإنما عبَّر عنها بالطاعةِ للمبالغةِ في الزجرِ والتنفيرِ ، أيْ أَحبُوا لو تلاينُهُم وتسامحُهُم في بعضِ الأمورِ { فَيُدْهِنُونَ } أي فهُم يُدهِنُونَ حينئذٍ ، أو فهُم الآنَ يُدْهِنُونَ طمعاً في إدهانِكَ ، وقيلَ هو معطوفٌ على تُدهنُ ، داخلٌ في حيزِ لَوْ ، والمَعْنَى ودُّوا لو يُدهنُونَ عقيبَ إدهانِكَ ، ويأباهُ ما سيأتِي من بدئِهِم بالإدهانِ على أن إدهانَهُم أمرٌ محققٌ لا يناسبُ إدخالَهُ تحت التمنِّي ، وأيَّاً ما كانَ فالمعتبرُ في جانبِهِم حقيقةُ الإدهانِ الذي هُو إظهارُ الملاينةِ وإضمارُ خلافِهَا ، وأمَّا في جانبِهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فالمعتبرُ بالنسبةِ إلى ودادتِهِم هو إظهارُ الملاينةِ فَقَطْ ، وأمَّا إضمارُ خلافِهَا فليسَ في حيزِ الاعتبارِ ، بلْ هُم في غايةِ الكراهةِ لهُ ، إنما اعتبارُهُ بالنسبةِ إليهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ . وفي بعضِ المصاحفِ فيُدهنُوا على أنَّه جواب التمني المفهوم من ودُّوا ، أو أن ما بعده حكاية لودادتهم ، وقيل على أنه عطفٌ على تُدهنُ بناءً على أنَّ لَوْ بمنزلةِ أن الناصبةِ ، فلا يكونُ لها جوابٌ ، وينسَبكُ منهَا وممَّا بعدَهَا مصدرٌ يقعُ مفعولاً لودُّوا كأنَّه قيلَ ودُّوا أنْ تُدهنَ فيدهنوا ، وقيلَ لَوْ على حقيقتِهَا ، وجوابُهَا وكذا مفعولُ ودُّوا ، أي ودُّوا إدهانَكَ لو تُدهنُ فيُدهنُوا لسرُّوا بذلكَ .