قوله : { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } .
المشهور في قراءة الناس ومصاحفهم : «فَيُدهِنُونَ » بثبوت نون الرفع وفيه وجهان : أحدهما : أنه عطف على «تُدهِنُ » فيكون داخلاً في حيز «لَوْ » .
والثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : فهم يدهنون .
وقال الزمخشريُّ{[57546]} : «فإن قلت : لم رفع " فَيُدْهنُونَ " ولم ينصب بإضمار " أن " وهو جواب التمني ؟ .
قلت : قد عدل به إلى طريق آخر وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف ، أي فهم يدهنون ، كقوله : { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً }[ الجن : 13 ] على معنى ودوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ ، أو ودوا إدهانك ، فهم الآن يدهنون لطمعهم في إدهانك ، قال سيبويه{[57547]} : وزعم هارون أنها في بعض المصاحف : ودُّوا لو تُدهِنُ فيُدْهِنُوا » انتهى .
وفي نصبه على ما وجد في بعض المصاحف وجهان :
أحدهما : أنه عطف على التوهم ، كأنه توهم أن نطق ب «أنْ » فنصب الفعل على هذا التوهم وهذا إنما يجيء على القول بمصدرية «لَوْ » ، وفيه خلاف تقدم تحقيقه في «البقرة »{[57548]} .
والثاني : أنه نُصِبَ على جواب التمني المفهوم من «ودّ » .
والظاهر أن «لَوْ » حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، وأن جوابها محذوف ، ومفعول الودادة أيضاً محذوف ، تقديره : ودوا إدهانك ، فحذف إدهانك ، لدلالة «لَو » وما بعدها عليه ، وتقدير الجواب : لسروا بذلك .
قال ابن عباس وعطية والضحاك والسديُّ : ودوا لو تكفر فيتمادون على كفرهم{[57549]} ، وعن ابن عباس أيضاً : ودوا لو ترخص لهم فيرخصون لك{[57550]} .
وقال الفراء والكلبي : لو تلين فيلينون لك . والإدهان : التليين لمن لا ينبغي له التليين . قاله الفراء{[57551]} والليث .
وقال مجاهدٌ : ودوا لو ركنت إليهم وتركت الحق فيمالئونك{[57552]} .
وقال الربيع بن أنس : ودوا لو تكذب ، فيكذبون{[57553]} .
وقال قتادة : ودوا لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبوا{[57554]} .
وقال الحسنُ : ودوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونك في دينهم ، وعنه أيضاً : ودوا لو ترفض بعض أمرك فيرفضون بعض أمرهم{[57555]} .
وقال زيد بن أسلم : ودّوا لو تنافق وترائي ، فينافقون ويراءون{[57556]} .
وقيل : ودُّوا لو تضعف فيضعفون . قاله أبو جعفر{[57557]} {[57558]} .
وقال القتيبي : ودوا لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم ، وعنه : طلبوا منه أن يعبد آلهتهم مدة ويعبدوا إلهه مدة .
وهذان القولان الأخيران هما المتقدمان في معنى { لَوْ تَكْفُرُونَ }[ النساء : 89 ] ومعنى : لو تصانعهم وقال ابن العربي{[57559]} : ذكر المفسرون فيها نحو عشرة أقوالٍ ، كلها دعاوى على اللغة والمعنى ، وأمثلها قولهم «ودُّوا لو تكذبُ فيكذبون ، ودوا لو تكفر فيكفرون » .
وقال القرطبيُّ{[57560]} : كلها إن شاء الله تعالى صحيحة على مقتضى اللغة والمعنى ، فإن الإدهان اللين والمصانعة .
وقيل : مجاملة العدو وممايلته .
وقيل : المقاربة في الكلام والتليين في القول ، وقال المفضل : النفاق وترك المناصحةِ ، فهي على هذا الوجه مذمومة ، وعلى الوجه الأول غير مذمومة ، وكل شيء منها لم يكن .
وقال المبردُ : أدهن في دينه ، وداهن في أمره ، أي : خان فيه وأظهر خلاف ما يضمر .
وقال قوم : داهنت بمعنى واريت ، وأدهنت بمعنى غششت ، قاله الجوهري ، وقوله «فيُدْهِنُونَ » ساقه على العطف ، ولو جاء به جواباً للنهي لقال : «فيُدْهِنُوا » ، وإنما أراد أنهم تمنوا لو فعلت فيفعلون مثل فعلك ، عطفاً لا جزاء عليه ولا مكافأة ، وإنما هو تمثيل وتنظير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.