التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٌ أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ لَعۡنَةُ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (161)

{ إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ } أي : إن الذين كفروا وكتموا ما من شأنه أن يظهر ، كإخفائهم النصوص المشتملة على البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم واستمروا على هذا الكفر والإِخفاء حتى ماتوا .

{ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله والملائكة والناس أَجْمَعِينَ } أي : أولئك الذين وصفوا بما ذكر عليهم اللعنة المستمرة من الله والطرد من رحمته ، وعليهم كذلك اللعنة الدائمة من الملائكة والناس أجمعين عن طريق الدعاء عليهم بالإِبعاد من رحمة الله .

وعبر عن أصحاب ذلك الكتمان بالذين كفروا ، ليحضرهم في الأذهان بأشنع وصف وهو الكفر ، وليتناول الوعيد الذي اشتملت عليه الآية الكريمة كل كافر ولو بغير معصية الكتمان .

وجملة { وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ } حالية ، { أَجْمَعِينَ } تأكيد بالنسبة إلى الكل لا للناس فقط .

والمراد بالناس جميعهم مؤمنهم وكافرهم ، إذ الكفار يلعن بعضهم بعضاً يوم القيامة كما جاء في قوله - تعالى - :

{ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } وقيل المراد بهم المؤمنون خاصة لأنهم هم الذين يعتد بلعنهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٌ أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ لَعۡنَةُ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (161)

استئناف كلام لإفادة حال فريق آخر مشارك للذي قبله في استحقاق لعنة الله واللاعنين وهي لعنة أخرى .

وهذا الفريق هم المشركون فإن الكفر يطلق كثيراً في القرآن مراداً به الشرك قال تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } [ الممتحنة : 10 ] ، وذلك أن المشركين قد قُرنوا سابقاً مع أهل الكتاب قال تعالى : { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين } [ البقرة : 105 ] الآية { وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم } [ البقرة : 118 ] فلما استؤنف الكلام ببيان لعنة أهل الكتاب الذين يكتمون عُقّب ذلك ببيان عقوبة المشركين أيضاً فالقول في الاستئناف هنا كالقول في الاستئناف في قوله : { إن الذين يكتمون } [ البقرة : 159 ] من كونه بيانياً أو مجرداً .

وقال الفخر { الذين كفروا } عام وهو شامل للذين يكتمون وغيرهم والجملة تذييل أي لما فيها من تعميم الحكم بعد إِناطته ببعض الأفراد ، وجعل في « الكشاف » المراد من { الذين كفروا } خصوص الذين يكتمون وماتوا على ذلك وأنه ذكر لعنتهم أحياء ثم لعنتهم أمواتاً ، وهو بعيد عن معنى الآية لأن إعادة وكفروا لا نكتة لها للاستغناء بأن يقال والذين ماتوا وهم كفار ، على أنه مستغنى عن ذلك أيضاً بأنه مفاد الجملة السابقة مع استثنائها ، واللعنة لا يظهر أثرها إلاّ بعد الموت فلا معنى لجعلهما لعنتين ، ولأن تعقيبه بقوله : { وإلهكم إله واحد } [ البقرة : 163 ] يؤذن بأن المراد هنا المشركون لتظهر مناسبة الانتقال .

وإنما قال هنا { والناس أجمعين } لأن المشركين يلعنهم أهل الكتاب وسائر المتدينين الموحدين للخالق بخلاف الذين يكتمون ما أنزل من البينات فإنما يلعنهم الله والصالحون من أهل دينهم كما تقدم وتلعنهم الملائكة ، وعموم ( الناس ) عرفي أي الذين هم من أهل التوحيد .