قوله تعالى : { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون }
المسألة الأولى : أن ظاهر قوله تعالى : { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار } عام في حق كل من كان كذلك فلا وجه لتخصيصه ببعض من كان كذلك ، وقال أبو مسلم : يجب حمله على الذين تقدم ذكرهم ، وهم الذين يكتمون الآيات ، واحتج عليه بأنه تعالى لما ذكر حال الذين يكتمون ، ثم ذكر حال التائبين منهم ، ذكر أيضا حال من يموت منهم من غير توبة ، وأيضا أنه تعالى لما ذكر أن أولئك الكاتمين ملعونون حال الحياة ، بين في هذه الآية أنهم ملعونون أيضا بعد الممات . ( والجواب عنه ) : أن هذا إنما يصح متى كان الذين يموتون من غير توبة لا يكونون داخلين تحت الآية الأولى ، فأما إذا دخلوا تحت الأولى : استغنى عن ذكرهم فيجب حمل الكلام على أمر مستأنف .
المسألة الثانية : لما ذكر في الكلام أنه إذا مات على كفره صار الوعيد لازما من غير شرط ولما كان المعلق على الشرط عدما عند عدم الشرط ؛ علمنا أن الكافر إذا تاب قبل الموت لم يكن حاله كذلك .
المسألة الثالثة : إن قيل : كيف يلعنه الناس أجمعون ، وأهل دينه لا يلعنونه ؟ قلنا الجواب عنه من وجوه ( أحدها ) : أن أهل دينه يلعنونه في الآخرة ، لقوله تعالى : { ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا } ( وثانيها ) : قال قتادة والربيع : أراد بالناس أجمعين المؤمنين ، كأنه لم يعتد بغيرهم وحكم بأن المؤمنين هم الناس لا غير ( وثالثها ) : أن كل أحد يلعن الجاهل والظالم لأن قبح ذلك مقرر في العقول ، فإذا كان هو في نفسه جاهلا أو ظالما وإن كان لا يعلم هو من نفسه كونه كذلك ، كانت لعنته على الجاهل والظالم تتناول نفسه عن السدي . ( ورابعها ) : أن يحمل وقوع اللعن على استحقاق اللعن ، وحينئذ يعم ذلك .
المسألة الرابعة : قال أبو بكر الرازي في الآية دلالة على أن على المسلمين لعن من مات كافرا ، وأن زوال التكليف عنه بالموت لا يسقط عنا لعنه والبراءة منه ، لأن قوله : { والناس أجمعين } قد اقتضى أمرنا بلعنه بعد موته وهذا يدل على أن الكافر لو جن لم يكن زوال التكليف عنه بالجنون مسقطا للعنه والبراءة منه ، وكذلك السبيل فيما يوجب المدح والموالاة من الإيمان والصلاح ، فإن موت من كان كذلك أو جنونه ، لا يغير حكمه عما كان عليه قبل حدوث الحال به .
المسألة الخامسة : القائلون بالموافاة احتجوا بهذه الآية فقالوا : علق تعالى وجوب لعنته بأن يموت على كفره فلو استحق ذلك قبل الموت لم يصح ذلك ، فعلمنا أن الكفر إنما يفيد استحقاق اللعن لو مات صاحبه عليه وكذا الإيمان إنما يفيد استحقاق المدح إذا مات صاحبه عليه ( الجواب ) : الحكم المرتب على الذين ماتوا على الكفر مجموع أمور منها اللعن لو مات ، ومنها الخلود في النار ، وعندنا أن هذا المجموع وهو اللعن وحده ، لم قلتم : أنه لا يحصل إلا فيه .
المسألة السادسة : القائلون بأن الكفر من الأسماء الشرعية ، وما بقي على الوضع الأصلي وهم المعتزلة احتجوا بقوله تعالى : { وماتوا وهم كفار } والله تعالى وصفهم حال موتهم بأنهم كفار ومعلوم أن الكفر بمعنى الستر والتغطية ، لا يبقى فيهم حال الموت ، لأن التغطية لا تحصل إلا في حق الحي الفاهم .
المسألة السابعة : الآية تدل على جواز التخصيص مع التوكيد ، لأنه تعالى قال : { والناس أجمعين } مع أنه مخصوص على مذهب من قال : المراد بالناس بعضهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.