المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٌ أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ لَعۡنَةُ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (161)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ( 161 )

قوله تعالى : { إن الذين كفروا } الاية ، محكمة في الذين وافوا( {[1482]} ) على كفرهم ، واختلف في معنى قوله { والناس أجمعين } وهم لا يلعنون أنفسهم ، فقال قتادة والربيع : المراد { بالناس } المؤمنون خاصة ، وقال أبو العالية : معنى ذلك في الآخرة ، وذلك أن الكفرة يلعنون( {[1483]} ) أنفسهم يوم القيامة ، وقالت فرقة : معنى ذلك أن الكفرة يقولون في الدنيا : لعن الله الكافرين ، فيلعنون أنفسهم من حيث لا يشعرون ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «والملائكة والناس أجمعون » بالرفع على تقدير أولئك يلعنهم الله( {[1484]} ) ، واللعنة في هذه الآية تقتضي العذاب( {[1485]} ) ، فلذلك قال { خالدين فيها }


[1482]:- أي: ماتوا على كفرهم، فقد أصبحوا بذلك معلنة تُصَبُّ عليهم اللعنة من كل مصدر.
[1483]:- لقوله تعالى: [ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا].
[1484]:- قراءة الحسن هذه مخالفة لما في المصاحف، وقد خرجها المعربون تخريجات كثيرة فقيل: إنه معطوف على موضع اسم الله، لأنه عندهم في موضع رفع على المصدر، وقدّروه: على أن لعنهم الله وأن يلعنهم الله. وقيل: إنه على اضمار فعل لمّا لم يكن العطف – والتقدير: وتلعنهم الملائكة. وقيل: إنه معطوف على لعنة الله على حذف مضاف، أي: (ولعنة الملائكة). فلما حذف المضاف أعرب بإعرابه نحو: واسأل القرية. وقيل: إنه مبتدأ حذف خبره لفهم المعنى، والتقدير: (والملائكة والناس أجمعون يلعنونهم) راجع البحر المحيط 1/463.
[1485]:- لان السياق لم يذكر عذابا آخر غير هذه اللعنة العامة، وَعَدَّها عذابا لا يُخفف عنهم ولا يُمْهَلون فيه، وإنه لعذاب دونه كل عذاب أن تطاردهم اللعنة في الأرض وفي السماء.