التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ وَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (221)

ولقد بدأت الآيات التي معنا حديثها عن الأسرة بالحديث عن الزواج لأنه أعمق الروابط وأقواها ومنه تتأتى الذرية ، لذا جعل أساس الاختيار فيه هو التدين السليم ، والخلق القويم ، الذي يسعد ولا يشقى ، ويبني ولا يهدم ، ويحفظ ولا يضيع . . ولا يتأتى ذلك إلا باختيار المسلمة الصالحة والإِعراض عن المشركة الكافرة .

استمع إلى القرآن الكريم وهو يبين ذلك فيقول :

{ وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات . . . } .

قوله - تعالى : { وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ } النكاح في اللغة الضم وتداخل أجزاء الشيء بعضها في بعض . ثم أطلق على العقد الذي به تكون العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة مشروعة .

والمشرك في لسان الشرع : من يدين بتعدد الآلهة مع الله - تعالى - وأصله من الإِشراك بمعنى أن تجعل الشيء بينك وبين غيرك شركة ، فمن يعبد مع الله - تعالى - إلها آخر يعد مشركاً ، وهو في الآخرة من الخاسرين .

ويرى كثير من العلماء أن إطلاق كلمة : مشرك ، ومشركين ، ومشركات في القرآن الكريم تعني عبدة الأوثان ، وأنها صارت في استعمال القرآن حقيقة عرفية فيهم ، ولم يطلقها القرآن على اليهود والنصارى وإنما عبر عنهم بهذا الاسم أو بأهل الكتاب ، أو بوصف الفكر دون الشرك كما في قوله - تعالى - : { لُعِنَ الذين كَفَرُواْ مِن بني إِسْرَائِيلَ } وعليه فالمراد بالمشركات والمشركين في الآية عبدة الأوثان .

وذهب بعضهم إلى أن لفظ المشركات يشمل بمقتضى عمومه المرأة الوثنية ، واليهودية ، والنصرانية .

وقد ترتب على هذا الخلاف في إطلاق كلمة " مشرك " أن أصحاب الرأي الأول قالوا : إن النهي في الآية إنما هو عن زواج المشركات اللائي يعبدون الأوثان ولا كتاب لهن ، وأنه يجوز - مع الكراهية - أن يتزوج المسلم الكتابية ، لأن القرآن يقول : { اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ } الآية . ولأنه قد جاءت الروايات بأن بعض الصحابة قد تزوج بكتابيات . فعثمان بن عفان تزوج نصرانية ثم أسلمت ، وطلحة بن عبيد الله وحذيفة بن اليمان تزوجا يهوديتين .

أمامن قال بالرأي الثاني فيرى حرمة الزواج بالوثنية واليهودية والنصرانية لأن لفظ المشركات يشملهن جميعا . وأصحاب هذا الرأي - كما يقول الآلوسي - يجعلون آية المائدة وهي قوله - تعالى - { والمحصنات مِنَ المؤمنات } منسوخة بالآية التي معنا نسخ الخاص بالعام . . وإلى هذا الرأي ذهب الإِمامية وبعض الزيدية .

وروى عن عمر وعبد الله ابنه - رضي الله عنهما - أنهما حرما ذلك وفي رواية أنها كرهاه وهي الأصح .

قال القرطبي : وروى عن عمر أنه فرق بين طلحة بن عبيد الله وحذيفة بن اليمان وبين كتابيتين وقالا : نطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب . فقال : لو جاز طلاقكما لجاز نكاحكما ولكن أفرق بينمكا صغرة قمأة . قال ابن عطية وهذا لا يستند جيداً ، وأسند منه أن عمر أراد التفريق بينهما فقال له حذيفة : أتزعم أنها حرام فأخلى سبيلها يا أمير المؤمنين ؟ فقال : لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن .

ثم قال القرطبي : وكان ابن عمر إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية .

قال حرم الله المشركات على المؤمنين ولا أعرف شيئاً من الإِشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى أو عبد من عباد الله . قال النحاس : وهذا قول خارج عن قول الجماعة الذين تقوم بهم الحجة ، لأنه قال بتحليل نكاح نساء أهل الكتاب من الصحابة والتابعين جماعة منهخم عثمان وطلحة وابن عباس . . ومن التباعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد . . وفقهاء الأمصار عليه ، وأيضاً فيمتنع أن تكون هذه الآية من سورة البقرة ناسخة للآية التي في سورة المائدة ، لأن البقرة من أول ما نزل بالمدينة والمائدة من آخر ما نزل ، وإنما الآخر ينسخ الأول - أو يخصصه - وأما قول ابن عمر فلا حجة فيه ، لأن ابن عمر - رضي الله عنه - كان متوقفا ، فلما سمع الآيتين في واحدة التحليل وفي أخرى التحريم ولم يبلغه النسخ توقف ، ولم يؤخذ عنه ذكر النسخ وإنما تؤول عليه ، وليس يؤخذ الناسخ والمنسوخ بالتأويل .

والذي نراه أن زواج المسلم بالكتابية جائز لأن القرآن صريح في ذلك ، ولأن عمر - رضي الله عنه - أقر بأنه ليس بحرام ، فتكون آية المائدة مخصصة لآية البقرة على فرض عمومها ، ومبينة لحكم جديد خاص بالكتابيات ، وهو الجواز ولكن هذا الجواز لا ينمع كراهته ، لأن الزواج بالكتابية كثيراً ما يؤثر في إضعاف العاطفة الدينية عند المسلم ، وعد الأطفال الذين يكونون ثمرة لهذا الزواج ، لأنهم يخرجون إلى الحياة وقد رضعوا الميل إلى دين أمهم ، ولأن المرأة الكتابية التي تقبيل الزواج بالمسلم كثيراً ما تكون منحرفة في سلوكها وأن الدافع لها إلى هذا الزواج إنما هو المال أو الجمال أو الجاه وليس الدين أو الخلق ، لأنه لو كان الدافع ذلك لرضيت بالإِسلام دينا ، وبآدابه خلقاً لها ، وما أحكم قول عمر لحذيفة : " لا أعزم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن " .

هذه خلاصة لاراء العلماء في هذه المسألة ومن أراد المزيد فليرجع إلى أقوالهم في مظانها .

والمعنى : أنها كم أيها المؤمنون أن تتزوجوا بالنساء المشركات حتى يؤمن بالله - تعالى - ويذعن لتعاليم الإِسلام وآدابه .

وقوله : { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } تعليل للنهى ، وبيان لفضل المؤمنات على المشركات ، ولفضل طهارة النفس على جمال الجسم ، والمراد بالامة هنا الأنثى المملوكة من الرقيق ، وبالمشركة الحرة الجميلة بقرينة المقابلة .

أي : ولأنثى رقيقة مؤمنة مع ما بها من الرق وقلة الجاه والجمال خير في التزوج بها من ارمأة حرة مشركة ولو أعجبتكم بجمالها ونسبها وغير ذلك من منافع دنيوية ، لأن ما يتعلق بالمنافع الدينية يجب أن يقدم على المنافع الدينوية ، ولأن الزواج ارتباط روحي بين قلبين ، ومن العسير أن يتم هذا الترابط بين قلب يخلص لله في عبادته ، وقلب لا يدين بذلك .

وصدرت الجملة بلام الابتداء الشبيهة بلام القسم في إفادة التأكيد مبالغة في الحمل على الانزجار ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه أن يجعلوا الدين أساس رغبتهم في الزواج ، فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين ترتب يداك " .

وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ، ولا تتزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ، ولكن تزوجوهن على الدين ، ولأمة سوداء ذات دين أفضل " .

والأحاديث النبوية في هذا المعنى كثيرة .

ثم قال - تعالى - : { وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ } أي : لا تزوجوا أيها المؤمنون النساء المؤمنات للرجال المشركني حتى يتركوا عليه من شرك ويدخلوا في دين الإِسلام ، فإذا فعلوا ذلك حل لكم أن تزوجوهم النساء المسلمات ، لأنهم بدخولهم في الإِسلام قد أصبحوا إخوانا لكم .

والنهي هنا يتناول المشرك الذي يعبد الأوثان ويتناول غيره ممن لا يدين بالإِسلام كأهل الكتاب ، لأن القرآن قد جعل الإِيمن غاية للنهي ، فإذا لم يكن هناك إيمان من الرجل لم يكن له أن يتزوج من المرأة المؤمنة ، لأن الله - تعالى - يقول في آية أخرى : { ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات مُهَاجِرَاتٍ فامتحنوهن الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر } فهذه الآية صريحة في أن زواج المسلمة بالكافر لا يجوز ، وكلمة كافر تشمل أهل الكتاب بدليل قوله - تعالى - : { لُعِنَ الذين كَفَرُواْ مِن بني إِسْرَائِيلَ على لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ } وقوله تعالى { مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب وَلاَ المشركين أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ } قال الفخر الرازي : لا خلاف ها هنا في أن المراد به - أي بلفظ المشركين - الكل ، وأن المؤمنة لا يحل تزوجيها من الكافر ألبته على اختلاف أنواع الكفرة .

وقوله : { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } بيان لفضل الإِيمان على الشرك ، كما في قوله - تعالى - { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ } إذ نسبة المؤمن أو المؤمنة إلى هذا الدين الذي ارتضاه الله لعباده أفضل وأجل من الانتساب إلى أي شيء آخر .

ثم بين - سبحانه - علة النهي عن الزواج بالمشركين والمشركات فقال - تعالى - : { أولئك يَدْعُونَ إِلَى النار والله يدعوا إِلَى الجنة والمغفرة بِإِذْنِهِ } .

أي : أولئك المذكورون من المشركين والمشركات يدعون من يقارنهم ويعاشرهم إلى الأقوال والأفعال والعقائد التي تفضي بصاحبها إلى دخول النار في الآخرة والله - تعالى - يدعو عباده على ألسنة رسهل إلى الأقوال والأعمال والعقائد التي توصل إلى جنته ومغفرته .

فالمراد بالدعاء إلى النار الدعاء إلى أسبابها وإلى ما يوصل إليها ، وكان الاقتران بهؤلاء المشركين والمشركات سببا في الوصول إليها ، لأن الزواج من شأنه الألفة والمودة والمحبة وشدة الاتصال ، وكل ذلك يجعل المسلم أو المسلمة يتقبلان ما عليه المشرك والمشركة من فسوق وعصيان لله - تعالى - بل ربما بمرور الأيام لا يكتفيان بالتقبل بل يستحسنان فعلهما ، وبذلك تنحل عرا الإِسلام من نفس المسلم والمسلمة عروة فعروة ، حتى لا يبقى منه سوى الاسم ، كما نشاهد ذكل في كثير من المسلمين الذين تزوجوا بغير مسلمات .

والمقصود من قوله - تعالى - : { والله يدعوا إِلَى الجنة } إغراء المؤمنين بالتمسك بتعاليم دينهم ، وتنفيرهم من الاقتران بغير من يكون على شاكلتهم في الدين ، لأن من يخالفهم في عقيدتهم طريقة يغاير طريقهم ، وهدفه يخالف هدفهم ، وعاقبته تباين عاقبتهم .

والدعاء إلى الجنة والمغفرة المراد به الدعاء إلى أسبابهما كما في الجملة السابقة المقابلة وقيد - سبحانه - الدعاء إلى الجنة والمغفرة بقوله { بِإِذْنِهِ } أي بأمره وإرادته وعلمه ، لأنه - سبحانه - هو المالك لكل شيء ، ولا يقع في ملكه إلا ما يريده ويقدره .

قال بعض العلماء ما ملخصه : وقد يقول قائل : هذه الدعوة إلى النار قد تكون أيضاً في زواج المسلم بالكتابية ، كما هي زواج المسلم بالمشركة ، وكان مقتضى هذا أن يحرم زواج المسلم بغير المسلمة مطلقاً ، كما حرم زواج المسلمة بغير المسلم مطلقاً ، وإن لذلك الكلام موضعه ، ولذلك أجمع الفقهاء على كراهة زواج المسلم بالكتابية ، بل زعم بعض العلماء أن زواج المسلم من الكتابية محرم كزواجه من المشركة .

ولكن الجمهور لا يقطعون بالتحريم أمام النص القاطع بالحل ، ولا يعملون العلة ليهمل النص ، بل يرون علة التحريم لا تتوافر في الكتابية توافرها في المشركة ، فإن المشركة لا ترتبط بأي قانون خلقي يعصمها من الزلل . . أما الكتابية فإن مجموع الفضائل الإِنسانية . . لا تزال باقية في تعاليم دينها فيمكن الاحتكام إليها .

والقرآن في جدله مع أهل الكتاب كان يلاحظ إمكان التفاهم معهم على قواعد يمكن حملهم على الإِقرار بها كما في قوله - تعالى - : { قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } الآية .

وأمرنا أن نجادلهم بالتي هي أحسن فقال : { وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } الآية .

فكان من اطراد تلك المعاملة الحسنة المقربة غير المبعدة ، أن أباح الإِسلام الزواج من الكتابيات .

بيد أنه يلاحظ في إباحة الزواج من الكتابيات أمران :

أولهما : أن النص القرآني المبيح خاص بالمحصنات منهن ، إذ قال - سبحانه { الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ } والمحصنات - في أظهر التفسير - هن العفيفات ، فأولئك الذين يعمدون إلى المنحرفات منهم في أخلاقهن وعقولهن ولا يتخيرون ، خارجون عن موضع الإِباحة فيما أحسب ، لأن الله أحل المحصنات وهم استحلوا المنحرفات .

ثانيهما : أن ولي الأمر إذا رأى خطرا على الدولة الإِسلامية أو على المجتمع الإِسلامي له ن يمنع الناس من ذلك الزواج بوضع عقوبات لمن يقدم عليه سدا للذريعة ومنعا للشر ، وذلك من باب السياسة الشرعية ، لا من باب تحريم ما أحل الله ، لأن الحل قائم على أصله ، والمنع وارد على الضرر الذي يحلق المسلمين ، إذ في ذلك من الاعتداء على جماعتهم ما فيه ، كما أن أصل الأكل حلال ، ولكن اغتصاب أموال الناس لنأكلها حرام ، ولذلك سارت الدولة على منع بعض رجالها من الزواج بالأجنبيات .

وقوله - تعالى - في ختام الآية : { وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } معطوف على يدعو إلى الجنة . أي أنه - سبحانه - يدعو الناس إلى ما يوصلهم إلى جنته ومغفرته ويبين لهم آياته وأوامره ونواهيه في شئون الزواج وفي غير ذلك من الأحكام لكي يتعظوا ويعتبروا ويتذكروا ما أمرهم الله به فيعملوه ، وما نهاهم عنه فيتركوه .

وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد رسمت للناس أقوم السبل ، لكي يعيشوا في ظل أسرة فاضلة ، تظلها السعادة ، ويسودها الأمان والاطمئنان ويتعاون أفرادها على البر والتقوى لا على الإِثم والعدوان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ وَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (221)

وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( 221 )

وقوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ } الآية ، قرأ جمهور الناس «تَنكحوا » بفتح التاء ، وقرئت في الشاذ بالضم كأن المتزوج لها أنكحها من نفسسه ، ونكح أصله الجماع ، ويستعمل في التزوج تجوزاً واتساعاً ، وقالت طائفة : { المشركات } هنا من يشرك مع الله إلهاً آخر ، فلم تدخل اليهوديات ولا النصرانيات في لفظ هذه الآية ، ولا في معناها ، وسببها قصة أبي مرثد كناز بن حصين( {[2094]} ) مع عناق التي كانت بمكة( {[2095]} ) ، وقال قتادة وسعيد بن جبير : لفظ الآية العموم في كل كافرة ، والمراد بها الخصوص( {[2096]} ) في الكتابيات ، وبينت الخصوص آية المائدة ولم يتناول قط الكتابيات ، وقال ابن عباس والحسن : تناولهن العموم ثم نسخت آية سورة المائدة بعض العموم في الكتابيات ، وهذا مذهب مالك رحمه الله ، ذكره ابن حبيب وقال : «ونكاح اليهودية والنصرانية وإن كان قد أحله الله مستثقل مذموم » ، وكره مالك رحمه الله تزوج الحربيات لعله ترك الولد في دار الحرب ولتصرفها في الخمر والخنزير ، وأباح نكاح الكتابيات عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وجابر بن عبد الله وطلحة وعطاء بن أبي رباح وابن المسيب والحسن وطاوس وابن جبير والزهري الشافعي وعوام أهل المدينة والكوفة ، ومنه مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي وإسحاق نكاح المجوسية ، وقال ابن حنبل : لا يعجبني ، وروي أن حذيفة بن اليمان تزوج مجوسية ، وقال ابن الفصار : «قال بعض أصحابنا : يجب -على أحد القولين أن لهم كتاباً- أن تجوز مناكحتهم » .

وقال ابن عباس في بعض ما روي عنه إن الآية عامة في الوثنيات والمجوسيات والكتابيات ، وكل من كان على غير الإسلام حرام .

قال القاضي أبو محمد : فعلى هذا هي ناسخة للآية التي في سورة المائدة ، وينظر إلى هذا قول ابن عمر في الموطأ : ولا أعلم إشراكاً أعظم من أن تقول المرأة : ربها عيسى «( {[2097]} ) ، وروي عن عمر أنه فرق بين طلحة بن عبيد الله وحذيفة بن اليمان وبين كتابيتين وقالا : نطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب ، فقال : لو جاز طلاقكما لجاز نكاحكما ، ولكن أفرق بينكما صغرة قمأة .

قال القاضي أبو محمد : وهذا لا يستند جيداً( {[2098]} ) ، وأسند منه أن عمر أراد التفريق بينهما فقال له حذيفة : أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها يا أمير المؤمنين ؟ فقال : لا أزعم أنها حرام ، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن( {[2099]} ) ، وروي عن ابن عباس نحو هذا ، وقوله تعالى : { ولأمة مؤمنة } إخبار أن المؤمنة المملوكة خير من المشركة وإن كانت ذات الحسب والمال ولو أعجبتكم في الحسن وغير ذلك ، هذا قول الطبري وغيره ، وقال السدي : نزلت في عبد الله بن رواحة كانت له أمة سوداء فلطمها في غضب ، ثم ندم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، وقال : هي تصوم وتصلي وتشهد الشهادتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه مؤمنة . فقال ابن رواحة : لأعتقنّها ولأتزوجنّها ، ففعل ، فطعن عليه ناس( {[2100]} ) فنزلت الآية فيه ، ومالك رحمه الله لا يجوز عنده نكاح الأمة الكتابية ، وقال أشهب في كتاب محمد فيمن أسلم وتحته أمة كتابية : إنه لا يفرق بينهما ، وروى ابن وهب وغيره عن مالك أن المجوسية لا يجوز أن توطأ بملك اليمين( {[2101]} ) ، وأبو حنيفة وأصحابه يجيزون نكاح الإماء الكتابيات( {[2102]} ) .

وقوله تعالى : { ولا تنحكوا المشركين حتى يؤمنوا } الآية ، أجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على دين الإسلام ، والقراء على ضم التاء من { تنكحوا } ، وقال بعض العلماء( {[2103]} ) : إن الولاية في النكاح نص في لفظ هذه الآية .

{ ولعبد مؤمن } مملوك { خير من مشرك } حسيب ولو أعجبك حسنه وماله حسبما تقدم ، وليس التفضيل هنا بلفظة { خير } من جهة الإيمان فقط لأنه لا اشتراك من جهة الإيمان ، لكن الاشتراك موجود في المعاشرة والصحبة وملك العصمة وغير شيء ، وهذا النظر هو على مذهب سيبويه في أن لفظة " أفعل " التي هي للتفضيل لا تصح حيث لا اشتراك .

كقولك : الثلج أبرد من النار ، والنور أضوأ من الظلمة ، وقال الفراء وجماعة من الكوفيين : تصح لفظة " أفعل " حيث الاشتراك وحيث لا اشتراك( {[2104]} ) ، وحكى مكي عن نفطويه( {[2105]} ) أن لفظة التفضيل تجيء في كلام العرب إيجاباً للأول ونفياً عن الثاني( {[2106]} ) .

قال القاضي أبو محمد : وتحتمل الآية عندي أن يكون ذكرالعبد والأمة عبارة عن جميع الناس حرهم ومملوكهم ، وكما قال صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ( {[2107]} ) ، وكما نعتقد أن الكل عبيد الله ، وكما قال تعالى : { نعم العبد إنه أواب } [ ص : 30 ] ، فكأن الكلام في هذه الآية : ( ولا مرأة ولرجل ) .

وقوله تعالى : { أولئك } الإشارة إلى المشركات والمشركين ، أي أنَّ صحبتهم ومعاشرتهم توجب الانحطاط في كثير من هواهم مع تربيتهم النسل ، فهذا كله دعاء إلى النار مع السلامة مع أن يدعوا إلى دينه نصاً من لفظه ، والله تعالى يمن بالهداية ويبين الآيات ويحض على الطاعات التي هي كلها دواع إلى الجنة ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن » والمغفرةُ «بالرفع على الابتداء ، والإذن العلم والتمكين ، فإن انضاف إلى ذلك أمر فهو أقوى من الإذن ، لأنك إذا قلت » أذنت كذا «فليس يلزمك أنك أمرت ، و { لعلهم } ترجٍّ في حق البشر ، ومن تذكر عَمِلَ حسب التذكر فنجا .


[2094]:- اسمه كنّاز بالزاي وشدّ النون بن حصين، شهد بدرا، وولده مرثد شهد بدرا أيضا، والذي في "الإصابة" لابن حجر "والاستيعاب" لأبي عمر في ترجمة مرثد بن أبي مرثد الغنوي ما نصه: «وأخرج أصحاب السنن من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن مرثد بن أبي مرثد كان يحمل الأسرى من مكة إلى المدينة، فذكر الحديث في نزول قوله تعالى: [الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة]. وقد تعقب ذلك أيضا الإمام السيوطي بأن هذه القصة ليست سببا لنزول هذه الآية، وإنما هي سبب في نزول آية النور. وسبب نزول هذه الآية كما رواه السدي عن ابن عباس رضي الله عنهما قضية عبد الله بن رواحة، وكانت له أمة سوداء مؤمنة فأعتقها وتزوجها، فطعن عليه ناس من المسلمين في ذلك فقالوا: نكح أمة، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أنسابهم فنزل قوله تعالى: [ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم] الآية. قال الإمام الواحدي في سب النزول بإسناده إلى مقاتل بن حيان. قال: نزلت في أبي مرثد الغنوي – استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في عَنَاق أن يتزوجها وهي امرأة مسكينة من قريش، وكانت ذات حظ من جمال وهي مشركة وأبو مرثد مسلم فقال: يا نبي الله: إنها لتعجبني، فأنزل الله عز وجل: [ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن] ثم قال: وقال الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من غني يقال له مرثد بن أبي مرثد حليفا لبني هاشم إلى مكة ليخرج ناساً من المسلمين بها أُسراء. فلما قدمها سمعت به امرأة يقال لها عَنَاقُ، وكانت خليلة له في الجاهلية، فلما أسلم أعرض عنها فأتته فقالت: ويحك يا مرثد ألا تخلو؟ فقال لها: إن الإسلام حال بيني وبينك، وحرّمه علينا ولكن إن شئت تزوجتك، إذا رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأذنه في ذلك ثم تزوجتك فقالت له: أنت تتبرم ثم استغاثت عليه فضربوه ضربا شديدا ثم خلوا سبيله، فلما قضى حاجته بمكة انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وأعلمه الذي كان من أمره وأمر عَنَاق وما لقي في سبيلها، فقال: يا رسول الله أتحل أن أتزوجها، فأنزل الله ينهاه عن ذلك قوله: [ولا تنكحوا المشركات] انتهى، وروى الإمام البغوي في تفسيره أن سبب نزول الآية أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليخرج منها ناسا من المسلمين سرا فلما قدمها سمعت به امرأة مشركة يقال لها عناق وكانت خليلته في الجاهلية فأتته وقالت: يا أبا مرثد ألا تخلو ؟ فقال لها ويحك يا عناق – إن الإسلام قد حال بيننا وبين ذلك، قالت: فهل لك أن تتزوج بي، قال: نعم، ولكن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمره فقالت: أبي تتبرم ؟ ثم استغاثت عليه فضربوه ضربا شديدا ثم خلو سبيله، فلما قضى حاجته بمكة انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمه الذي كان من أمره وأمر عناق، وقال: يا رسول الله – أيحل لي أن أتزوجها ؟ فأنزل الله تعالى الآية. اهـ» فهما قولان كما ترى، وقد يقال: إن مرثد يكني أبا مرثد كما في رواية الإمام النووي، ويمكن أن يأتي الاشتباه من الاشتراك في الكنية والله أعلم. وتوفي مرثد بن أبي مرثد في السنة الثالثة من الهجرة كما قاله الإمام البغوي.
[2095]:- كقطام، بغي مشهورة بمكة، وكانت صديقة له قبل الإسلام وطلبت منه أن يتزوجها بعد الإسلام فنزلت الآية: [والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك].
[2096]:- يعني أن المراد بالمشركات غير الكتابيات، وآية المائدة بينت هذا المراد، وأما على القول بأن آية المائدة ناسخة فقد تناول اللفظ الكتابيات. والحاصل – أنه: إما عام أُريد به خاص من أول الأمر، وإما عام مخصوص، وكثيرا ما يُطلق المتقدمون النسخ على التخصيص.
[2097]:- ما قاله ابن عباس هنا وأيده ابن عطية رحمه الله هو الذي يجب الأخذ به في عصرنا هذا الذي أًصبح فيه نظام الكفر مسيطرا على العالم، وأصبح للمرأة دور هام في سياسته بما لها من العصبية والتطور والثقافة، فاستولت بذلك على زوجها الضعيف المنحرف، ومن هذه الناحية أصبحت مقدرات البلاد وسياستها وأمنها تحت رحمة الأجنبيات اللاتي يتزوجن بالذين يأخذون بزمام الأمور في الدولة. وقد قال ابن حبيب: ونكاح الكتابية – وإن كان الله قد أحله – فإنه مستثقل ومذموم، وهذا على ما كان من قبل، ولو اطلعوا على حالة المسلمين من بعد – وقد تعددت الاعتبارات – لصرحوا بالحرمة، وموالاة الكافر حرام، والنكاح من أخص أسباب الموالاة، والمرأة الأجنبية اليوم تتصرف تصرفا مطلقا، ولها الأمر والنهي فيمكنها أن تنقل كل ما يمكن نقله من الأسرار. وإنما أحل نكاح الكتابية لأن الرجل كان أقوى منها فلربما استولى عليها وجذبها إلى الإسلام، والحياة اليوم انعكست فالمرأة الأجنبية أقوى من الرجل فهي التي تصرفه، وتلعب به كما شاءت، والمجتمع الذي نعيش فيه شبيه بالمجتمع الجاهلي بحيث لا يطلق عليه الإسلام إلا على سبيل التوسع والتجوز. فالرأي والمصلحة هو اجتناب نكاح الأجنبيات لهذا الاعتبار وحده، وعلى أن هناك اعتبارات أخرى، وهي أن الأجنبية تتصرف في تربية الأولاد وتطعمهم حسب طبيعة الكفر، كما أن الرغبة في الأجنبيات تؤدي إلى الزهد في المسلمات، والمصلحة الشرعية والوطنية تقضي بإيقاف هذا التيار الجارف، حتى تنتفي المخاطر شيئا ما، وحتى يستفيد بعضنا من بعض في مجال النكاح، وأما نكاح الأجنبي للمسلمة فإنه محظور لأن الرجل أقوى من المرأة بالطبع، فيصرفها إلى دينه خصوصا وأن أبناءها يدعون إلى زوجها ويدينون بغير دينها، وقد منع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حذيفة بن اليمان من تزوج الكتابية لِمَا رآه من الاعتبارات وكفى قوله تعالى: [أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه]، وهذه العلة موجودة في كل كافر وكافرة، فتقتضي تجنب مناكحتها، لا سيما وقد جد في العصر ما لم يكن، فينبغي اعتبار ذلك لأن الأحكام تتبع المصالح، وتتبدل بتبدل العصور، والله تعالى أعلم.
[2098]:- يريد قسراً وقهراً – وقد قال ابن كثير: وهذا الأثر غريب عن عمر. وهو ما أشار إليه ابن عطية.
[2099]:- أي تتناولوا الساقطات اللاتي لا شأن لهن ولا قدر.
[2100]:- يرون منه أنه يتزوج المشركات.
[2101]:- أي حين تُسْلم وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
[2102]:- أخذا من هذه الآية الكريمة فإنها قد فاضلت بين الأمة المؤمنة والمشركة في التزوج، ولولا أن نكاح الأمة المشركة جائز لما خاير الله تعالى بينهما، لأن المخايرة لا تكون إلا بين جائزين، لا بين جائز وممتنع، ولا بين متضادين، وأجاب أصحاب الإمام مالك رحمه الله بأن المخايرة بين الضدين جائز لغة وشرعا وقد قال الله تعالى: [أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا]، وقال عمر رضي الله عنه في رسالته: «الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل». وهناك جواب آخر يأتي عند ابن عطية رحمه الله وهو أن المراد بالأمة هنا المرأة، وبالعبد الرجل إذ الكل عبيد الله وإماؤه.
[2103]:- هو محمد بن علي بن حسين أو جعفر كما قاله ابن العربي.
[2104]:- نحو زيد أحق بماله، أي لا حق لغيره فيه، وأما نحو: «الأيِّم أحقّ بنفسها من وليها» فمعناه أنهما مشتركان ولكن حقها آكد وأرجح.
[2105]:- ابن عرفة اللغوي المعروف بنفطويه.
[2106]:- فالبرودة في المثال السابق ثابتة للثلج ومنفية عن النار، وهكذا في غيره من الأمثلة.
[2107]:- رواه الشيخان وأصحاب السنن، وفي رواية زيادة (ولكن ليخرجن وهن ثفلات) أي غير متبرجات ولا متزينات، وبيوتهن خير لهن كما في حديث ابن عمر، ويتأكد ذلك بعد ما أحدثوا من التبرج والزينة، ومن ثمَّ قالت عائشة رضي الله عنها ما قالت.