التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِيَقۡطَعَ طَرَفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ} (127)

ثم بين - سبحانه - الحكمة من هذا النصر والثمرات التى ترتبت عليه فقال - تعالى - : { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الذين كفروا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } .

وقوله { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الذين كفروا أَوْ يَكْبِتَهُمْ } متعلق بقوله { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } وما بينهما تحقيق لحقيته ، وبيان لكيفية وقوعه .

والقطع - كما يقول الراغب - فصل الشىء مدركا بالبصر كالأجسام ، أو مدركا بالبصيرة كالأشياء المعقولة والمراد به هنا الإهلاك والقتل .

والطرف - بفتح الراء - جانب الشىء أو الجزء المتطرف منه كاليدين والرجلين والرأس .

والمراد به هنا طائفة من المشركين .

والكبت فى اللغة : صرع الشىء على وجهه . يقال : كبته فانكبت ، والمراد به هنا الإخزاء والإذلال وشدة الغيظ بسبب ما أصابهم من هزيمة .

وخائبين من الخيبة وهى انقطاع الأمل فى الحصول على الشىء . يقال : خاب يخيب إذا لم ينل ما طلب .

والمعنى : ولقد نصركم الله - تعالى - ببدر وأنتم فى قلة من العدد والعدة { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الذين كفروا } أى ليهلك طائفة من الذين كفروا ويستأصلهم بالقتل . وينقص من أرضهم بالفتح ، ومن سلطانهم بالقهر ، ومن أموالهم بالغنيمة { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } أى يذلهم ويخزيهم ويغيظهم غيظا شديدا بسبب ما نزل بهم من هزيمة ، حتى يخبو صوت الكفر ، ويعلو صوت الإيمان :

وقوله { فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ } أى فينهزموا ويرتدوا على أدبارهم منقطعى الآمال ، غير ظافرين بمبتغاهم .

قال الآلوسى : " ولم يعبر عن تلك الطائفة بالوسط بل بالطرف فقال { لِيَقْطَعَ طَرَفاً } لأن أطراف الشىء يتوصل بها إلى توهينه وإزالته . وقيل : لأن الطرف أقرب إلى المؤمنين فهو كقوله - تعالى - { ياأيها الذين آمَنُواْ قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الكفار } وقيل للإشارة إلى أنهم كانوا أشرافا ، ومنه قولهم : هو من أطراف العرب أى من أشرافهم ، ولعل إطلاق الأطراف على الأشراف لتقدمهم فى السير . . فالمعنى ليهلك صناديد الذين كفروا ورؤساءهم المتقدمين فيهم بالقتل والأسر . وقد وقع ذلك فى بدر فقد قتل المؤمنون من المشركين سبعين وأسروا سبعين " .

و { أَوْ } فى قوله { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } للتنويع . لأن القطع والكبت قد وقعا للمشركين ، فهى مانعة خلو ، أى لا يخلو أمر الكافرين من الهلاك والكبت .

وعبر عن عودتهم خائبين بقوله { فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ } للإشارة إلى أن مقاصدهم وأهدافهم قد انقلبت ، فقد كانوا يقصدون إطفاء نور الإسلام فخاب قصدهم ، وطاش سهمهم ، وعادوا وقد فقدوا الكثيرين من وجوههم وصناديديهم ، وتركوا خلقهم فى الأسر العشرات من رجالهم .

أما الإسلام فقد ازداد نوره تألقا ، وازداد أتباعه إيمانا على إيمانهم . ورزقهم الله - تعالى - نصره المبين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِيَقۡطَعَ طَرَفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ} (127)

واللام في قوله تعالى : { ليقطع } متعلقة بقوله { وما النصر إلا من عند الله } وعلى هذا لا يكون قطع الطرف مختصاً بيوم ، اللهم إلا أن تكون الألف واللام في «النصر » للعهد ، وقيل : العامل في «ولقد نصركم » حكاه ابن فورك وهو قلق ، لأنه قوله : { أو يكبتهم } لا يترتب عليه ، وقد يحتمل أن تكون اللام في قوله { ليقطع } متعلقة ب { جعله } ، فيكون قطع الطرف إشارة إلى من قتل ببدر ، على ما قال الحسن وابن إسحاق وغيرهم ، أو إلى من قتل بأحد على ما قال السدي ، وقتل من المشركين ببدر سبعون ، وقتل منهم يوم أحد اثنان وعشرون رجلاً ، وقال السدي : قتل منهم ثمانية عشرة والأول أصح ، و «الطرف » الفريق ، ومتى قتل المسلمون كفاراً في حرب فقد قطعوا { طرفاً } ، لأنه الذي وليهم من الكفار فكأن جميع الكفار رقعة وهؤلاء المقتولون طرف منها أي حاشية ، ويحتمل أن يكون قوله تعالى : { ليقطع طرفاً } بمنزلة ليقطع دابراً وقوله : { أو يكبتهم } معناه : أو يخزيهم ، والكبت الصرع لليدين ، وقال النقاش وغيره : التاء بدل من دال كبته أصله كبده أي فعل به يؤذي كبده ، وإذا نصر الله على أمة كافرة فلا بد من أحد هذين الوجهين ، إما أن يقتل منهم واما ان يخيبوا ، فذلك نوع من الهزم .