التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ يَـٰٓإِبۡلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِينَ} (75)

ثم حكى - سبحانه - ما قاله لإِبليس حين عصى أمره فقال : { قَالَ ياإبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ . . } .

ومذهب السلف فى مثل هذا التعبير ، أن اليد - مفردة أو غير مفردة - إذا وصف الله تعالى بها ذاته ، فهى ثابتة له ، على الوجه الذى يليق بكماله ، مع تنزهه -سبحانه - عن مشابهته للحوداث .

ومذهب الخلف : تأويل اليد بالقدرة أو النعمة . والتثنية في يدى ، للتأكيد الدال على مزيد القدرة في خلقه . أى : قال الله - تعالى - لإبليس على سبيل التأنيث والتقريع : يا إبليس ما الذى منعك من السجود لآدم الذى خلقته بيدى ؟

{ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ العالين } أى : أمنعك من السجود لآدم تكبرك من غير موجب هذا التكبر ، أم كنت ممن علا على غيره بدون حق ؟ والاستفهام للتوبيخ والإِنكار .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ يَـٰٓإِبۡلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِينَ} (75)

القائل لإبليس هو الله عز وجل ، وقوله { ما منعك } تقرير وتوبيخ .

وقرأ عاصم والجحدري : «لَمَّا خلقت » بفتح اللام من : «لَمَّا » وشد الميم . وقرأ جمهور الناس «بيديْ » بالتثنية . وقرأ فرقة : «بيديَّ » بفتح الياء ، وقد جاء في كتاب الله : { مما عملت أيدينا } [ يس : 71 ] بالجمع .

وهذه كلها عبارة عن القدرة والقوة ، وعبر عن هذا المعنى بذكر اليد تقريباً على السامعين ، إذا المعتاد عند البشر أن القوه والبطش والاقتدار إنما هو باليد ، وقد كانت جهالة العرب بالله تعالى تقتضي أن تنكر نفوسها أن يكون خلق بغير مماسة ، ونحو هذا من المعاني المعقولة ، وذهب القاضي ابن الطيب إلى أن اليد والعين والوجه صفات ذات زائدة على القدرة والعلم غير ذلك من متقرر صفاته تعالى ، وذلك قول مرغوب عنه ويسميها الصفات الخبرية . وروي في بعض الآثار أن الله تعالى خلق أربعة أشياء بيده وهي : العرش والقلم وجنة عدن وآدم وسائر المخلوقات بقوله : «كن » . قال القاضي أبو محمد : وهذا إن صح فإنما ذكر على جهة التشريف للأربعة والتنبيه منها ، وإلا فإذا حقق النظر فكل مخلوق فهوة بالقدرة التي بها يقع الإيجاد بعد العدم .

وقرأت فرقة : «استكبرت » بصلة الألف على الخبر عن إبليس ، وتكون { أم } بينة الانقطاع لا معادلة لها . وقرأت فرقة : «أستكبرت » بقطع الألف على الاستفهام ، ف { أم } على هذا معادلة للألف ، وذهب كثير من النحويين إلى أن «أم » لا تكون معادلة للألف مع اختلاف الفعلين ، وإنما تكون معادلة إذا أدخلتا على فعل واحد ، كقولك : أزيد قام أم عمرو ؟ وقولك : أقام زيد أم عمرو ؟ قالوا : وإذا اختلف الفعلان كهذه الآية فليست أم معادلة ، ومعنى الآية : أحدث لك الاستكبار الآن أن كنت قديماً ممن لا يليق أن تكلف مثل هذا لعلو مكانك ، وهذا على جهة التوبيخ .