فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ يَـٰٓإِبۡلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِينَ} (75)

إن الله سبحانه سأله عن سبب تركه للسجود الذي أمره به ف { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } وقرئ بالإفراد أي ما صرفك وصدك عن السجود لما توليت خلقه من غير واسطة أب وأم وأضاف خلقه إلى نفسه تكريما له وتشريفا ، مع أنه سبحانه خالق كل شيء ، كما أضاف إلى نفسه الروح والبيت والناقة والمساجد .

قال مجاهد : اليد هنا لمعنى التأكيد والصلة مجازا ، كقوله : { ويبقى وجه ربك } وقيل أراد باليد القدرة ، يقال : مالي بهذا الأمر يد ، وما لي به يدان ، أي قدرة ، وقيل : التثنية في اليد للدلالة على أنها ليست بمعنى القوة والقدرة ، بل للدلالة على أنهما صفتان من صفات ذاته سبحانه ، وهو الأولى ، وقيل : التثنية لإبراز كمال الاعتناء بخلقه عليه السلام المستدعي لإجلاله وتعظيمه قصدا إلى تأكيد الإنكار وتشديد التوبيخ ، ما في قوله { لما خلقت } هي المصدرية أو الموصولة ، وقرئ لما بالتشديد مع فتح اللام على أنها ظرف بمعنى حين ، كما قال أبو علي الفارسي .

وعن عبد الله بن عمر قال : ( خلق الله أربعا بيده العرش وجنة عدن والقلم وآدم " أخرجه ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي ، وعن عبد الله بن الحارث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خلق الله ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده ، وغرس الفردوس بيده ) ، أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة ، وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات .

{ أَسْتَكْبَرْتَ } قرئ بهمزة الاستفهام وهو استفهام توبيخ وتقريع فتكون أم في قوله : { أَمْ كُنْتَ } متصلة أي أتركت السجود لاستكبارك الحادث أم لاستكبارك القديم المستمر ؟ وقرئ بألف الوصل فتكون أم منقطعة والمعنى أستكبرت عن السجود الذي أمرت به ؟ بل أكنت { مِنَ الْعَالِينَ } أي من المستحقين للترفع عن طاعة أمر الله المتعالين عن ذلك .