اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ يَـٰٓإِبۡلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِينَ} (75)

قوله : { أَن تَسْجُدَ } قد يستدل به من يرى أن «لا » في «أنْ لا تَسْجُدَ » في السورة الأخرى زائدة ، حيث سقطت هنا والقصة واحدة . وقوله : { لِمَا خَلَقْتُ } قد يستدل به من يرى جواز وقوع «ما » على العاقل ؛ لأن المراد به آدم ، وقيل : لا دليل فيه لأنه كان فَخَّاراً غير جسم حسَّاسٍ فأشير إليه في تلك الحالة . وهذا ليس بشيء ؛ لأن هذا الخطاب إنما كان بعد نَفْخ الرُّوح فيه لقوله : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } [ الحجر : 29 ] .

فلما امتنع من السجود قال : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } . وقيل : ما مصدرية والمصدر غير مراد فيكون واقعاً موقع المفعول به أي لمخْلُوقي . وقرأ الجّحْدريّ «لَمَّا » بتشديد الميم وفتح اللام وهي «لَمَّا » الظرفية عند الفارسيِّ ، وحرف وجوب لوجوب عند سيبَويْهِ . والمسجود له على هذا غير مذكور ؛ أي ما منعك من السجود لَمَّا خلقتُ أي حين خلقتُ لمن أمرتك بالسجود له .

قرئ : «بِيدَيِّ » بكسر الياء كقراءة حمزة : { بِمُصْرِخِي } [ إبراهيم : 22 ] ، وتقدم ما فيها وقرى : بِيَدِي بالإفراد .

قوله : { أَسْتَكْبَرْتَ } قرأ العامة بهمزة الاستفهام ، وهو استفهام توبيخ وإنكار ، و «أم » متصلة هنا ، وهذا قول جمهور النَّحْويِّينَ ونقله ابنُ عطيةَ عن بعض النحويين أنها لا تكون معادلة للألف مع اختلاف الفعلين وإنما تكون معادلة إذا دخلتا على فعل واحد كقولك : أَقَامَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌو ، وأزيدٌ قَامَ أمْ عمرٌو ، وإذا اختلف الفعلان كهذه الآية فليست معادلةً . وهذا الذي حكاه عن بعض النحاة مذهب فاسد بل جمهور النحاة على خلافه . قال سيبويه : وتقول : أَضَرَبْتَ زيداً أمْ قَتَلْتَهُ ، فالبداءَةُ هنا بالفعل أحسن لأنك إنما تسأل عن أحَدِهما لا تدري أيُّهما كان ، ولا تسأل عن موضع أحدهما كأنك قلت : أيّ ذلك كان . انتهى ، فعادل بها الألف مع اختلاف الفعلين ، وقرأ جماعة منهم ابنُ كَثيرٍ- وليست مشهورةً عنه - اسْتكْبَرْتَ بألف الوصل ؛ فاحتملت وجهين :

أحدهما : أن يكون الاستفهام مراداً يدل عليه «أم » كقوله :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . ***بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أَمْ بِثَمانِ

وقوله :

تَرَوَّحُ مِنَ الحَيِّ أَمْ تَبْتَكِرُ*** . . . . . . . . . . . . . . .

فتتفق القراءتان في المعنى ، واحتمل أن يكون خبراً محضاً ، وعلى هذا «فأم » منقطعة لعدم شرطها .

فصل :

المعنى استكبرت الآن أم كنت من المتكبرين أبداً أي من القوم الذين يتكبرون فتكبرت عن السجود لكونك منهم