التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ} (58)

ثم بين - سبحانه - أقوالهم التى بنو عليها باطلهم فقال : { وقالوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } ؟ والضمير { هُوَ } يعود إلى عيسى - عليه السلام - .

ومرادهم بالاستفهام تفضيل عيسى - عليه السلام - على آلهتهم ، مجاراة للنبى - صلى الله عليه وسلم - .

فكأنهم يقولون : لقد أخبرتنا بأن عيسى ابن مريم رسول من رسل الله - تعالى - وأنه خير من آلهتنا . . . . فإن كان فى النار يوم القيامة لأن الله - تعالى - يقول : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا فى النار .

وقد أبطل الله زعمهم هذا بقوله : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً } .

أى : لا تهتم - أيها الرسول الكريم - بما قالوه ، فإنهم ما ضربوا لك هذا المثل بعيسى إلا من أجل مجادلتك بالباطل ، وليس من أجل الوصول إلى الحق .

وقوله : { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } مؤكد لما قبله من كونهم قالوا ذلك لأجل الجدل بالباطل ، لا لطلب الحق ، وإضراب عن مزاعمهم وعن مجاراتهم فى خصومتهم .

أى : ذرهم - أيها الرسول الكريم - فى باطلهم يعمهون ، فإنهم قوم مجبولون على الخصومة ، دون أن يكون هدفه الوصول إلى الحق .

وجاء التعبير فى قوله : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً } بصيغة الجمع ، مع أن ضارب المثل واحد ، وهو ابن الزبعرى ، لأن إسناد فعل الواحد إلى الجماعة ، من الأساليب المعروفة فى اللغة العربية ، ومنه قول الشاعر :

فسَيف بنى عبس وقد ضربوا به . . . نبا بيدى ورقاء عن رأس خالد

فإنه قد نسب الضرب إلى جميع بنى عبس ، مع تصريحه بأن الضراب واحد ، وهو رقاء . . ولأنهم لما أيدوا ابن الزبعرى فى قوله ، فكأنهم جميعا قد قالوه . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ} (58)

وقوله تعالى : { آلهتنا } ابتداء معنى ثان ، وذلك أنه لما نزلت { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } [ الأنبياء : 98 ] جاء عبد الله بن الزعبري ونظراؤه فقالوا : نحن نخصم محمداً : آلهتنا خير أم عيسى ؟ وعلموا أن الجواب أن يقال عيسى ، قالوا ، وهذه آية الحصب لنا أو لكل الأمم من الكفار فقال النبي عليه السلام : «بل لكل من تقدم أو تأخر من الكفار ، » فقالوا نحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى ، إذ هو خير منها ، وإذ قد عبد فهو من الحصب إذاً ، فقال : { ما ضربوه لك إلا جدلاً } أي ما مثلوا هذا التمثيل إلا جدلاً منهم ومغالطة ، ونسوا أن عيسى لم يعبد برضى منه ولا عن إرادة ، ولا له في ذلك ذنب .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : «آءالهتنا » بهمزة استفهام وهمزة بعدها بين بين وألف بعدها . وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي : بهمزتين مخففتين بعد الثانية ألف . وقرأ ورش عن نافع : بغير استفهام : «آلهتنا » على مثال الخبر . وقرأ قالون عن نافع : «ءالهتنا » على الاستفهام بهمزة واحدة بعدها مدة . وفي مصحف أبي بن كعب : «خير أم هذا » ، فالإشارة إلى محمد ، وخرجت هذه القراءة على التأويل الأول الذي فسرناه ، وكذلك قالت فرقة ممن قرأ : { أم هو } إن الإرادة محمد عليه السلام ، وهو قول قتادة . وقال ابن زيد والسدي المراد ب { هو } عيسى ، هذا هو المترجح .

والجدال عند العرب : المحاورة بمغالطة أو تحقيق أو ما اتفق من القول إنما المقصد به أن يغلب صاحبه في الظاهر إلا أن يتطلب الحق في نفسه ، وروى أبو أمامة عن النبي عليه السلام أنه قال : «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل » ثم قرأ : { ما ضربوه لك إلا جدلاً } قال أبو أمامة : ورأى عليه السلام قوماً يتنازعون ، فغضب حتى كأنما صب في وجهه الخل ، وقال :

«لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، فما ضل قوم إلا أوتوا الجدل » ثم أخبر تعالى عنهم أنهم أهل خصام ولدد .