التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞قَالُوٓاْ إِن يَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخٞ لَّهُۥ مِن قَبۡلُۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفۡسِهِۦ وَلَمۡ يُبۡدِهَا لَهُمۡۚ قَالَ أَنتُمۡ شَرّٞ مَّكَانٗاۖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} (77)

ثم حكى - سبحانه - ما قاله إخوة يوسف في أعقاب ثبوت تهمة السرقة على أخيه " بنيامين " فقال - تعالى - { قالوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ . . . }

أى : قال إخوة يوسف - عليه السلام - بعد هذا الموقف المحرج لهم . إن يسرق بنيامين هذا الصواع الخاص بالملك فقد سرق أخ له من قبل - وهو يوسف - ما يشبه ذلك .

وقولهم هذا يدل على أن صنيعهم بيوسف وأخيه ما زال متمكناً من نفوسهم .

وقد ذكر المفسرون هنا روايات متعددة في مرادهم بقولهم هذا ، ومن بين هذه الروايات ما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الآية : " سرق يوسف - عليه السلام - صنماً لجده وكان هذا الصنم من ذهب وفضه ، فكسره وألقاه في الطريق ، فعير إخوته بذلك " .

وقوله { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ } بيان لموقفه من مقالتهم ، والضمير في { فأسرها } يعود إلى تلك المقالة التي قالوها .

أى : سمع يوسف - عليه السلام - ما قاله إخوته في حقه وفى حق شقيقه فساءه ذلك ، ولكنه كظم غيظه ، ولم يظهر لهم تأثره مما قالوه وإنما رد عليهم بقوله : { قَالَ أَنْتُمْ } أيها الإخوة { شَرٌّ مَّكَاناً } أى : موضعاً ومنزلاً ممن نسبتموه إلى السرقة وهو برئ ، لأنكم أنتم الذين كذبتم على أبيكم وخدعتموه ، وقلتم له بعد أن ألقيتم أخاكم في الجب ، لقد أكله الذئب .

{ والله } - تعالى - { أَعْلَمْ } مننى ومنكم { بِمَا تَصِفُونَ } به غيركم من الأوصاف التي يخالفها الحق ، ولا يؤيدها الواقع .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞قَالُوٓاْ إِن يَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخٞ لَّهُۥ مِن قَبۡلُۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفۡسِهِۦ وَلَمۡ يُبۡدِهَا لَهُمۡۚ قَالَ أَنتُمۡ شَرّٞ مَّكَانٗاۖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} (77)

{ قالوا إن يسرق } بنيامين . { فقد سرق أخ له من قبل } يعنون يوسف . قيل ورثت عمته من أبيها منطقة إبراهيم عليه السلام وكانت تحضن يوسف وتحبه ، فلما شب أراد يعقوب انتزاعه منها فشدت المنطقة على وسطه ، ثم أظهرت ضياعها فتفحص عنها فوجدت محزومة عليه فصارت أحق به في حكمهم . وقيل كان لأبي أمه صنم فسرقه وكسره وألقاه في الجيف . وقيل كان في البيت عناق أو دجاجة فأعطاها السائل . وقيل دخل كنيسة وأخذ تمثالا صغيرا من الذهب . { فأسرّها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم } أكنها ولم يظهرها لهم ، والضمير للإجابة أو المقالة أو نسبة السرقة وقيل إنها كناية بشريطة التفسير يفسرها قوله : { قال أنتم شر مكانا } فإنه بدل من أسرها . والمعنى قال في نفسه أنتم شر مكانا أي منزلة في السرقة لسرقتكم أخاكم ، أو في سوء الصنيع مما كنتم عليه ، وتأنيثها باعتبار الكلمة أو الجملة ، وفيه نظر إذ المفسر بالجملة لا يكون إلا ضمير الشأن . { والله أعلم بما تصفون } وهو يعلم أن الأمر ليس كما تصفون .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞قَالُوٓاْ إِن يَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخٞ لَّهُۥ مِن قَبۡلُۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفۡسِهِۦ وَلَمۡ يُبۡدِهَا لَهُمۡۚ قَالَ أَنتُمۡ شَرّٞ مَّكَانٗاۖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} (77)

لما بُهتوا بوجود الصُّوَاع في رحل أخيهم اعتراهم ما يعتري المبهوت فاعتذروا عن دعواهم تنزههم عن السرقة ، إذ قالوا : { وما كنا سارقين } [ سورة يوسف : 73 ] ، عذراً بأن أخاهم قد تسرّبت إليه خصلة السرقة من غير جانب أبيهم فزعموا أن أخاه الذي أشيع فقده كان سرق من قبلُ ، وقد علم فتيان يوسف عليه السلام أن المتهم أخ من أمّ أخرى ، فهذا اعتذار بتعريض بجانب أمّ أخويهم وهي زوجة أبيهم وهي ( راحيل ) ابنة ( لابان ) خالِ يعقوب عليه السلام .

وكان ليعقوب عليه السلام أربع زوجات : ( راحيل ) هذه أم يوسف عليه السلام وبنيامين ؛ و ( لِيئة ) بنت لابان أخت راحيل وهي أم رُوبين ، وشمعون ، ولاوي ، ويهوذا ، وبساكر ، وزبولون ؛ و ( بُلْهَة ) جارية راحيل وهي أم دانا ، ونفتالي ؛ و ( زُلفة ) جارية راحيل أيضاً وهي أم جاد ، وأشير .

وإنما قالوا : قد سرق أخ له من قبل } بهتاناً ونفياً للمعرة عن أنفسهم . وليس ليوسف عليه السلام سرقة من قبل ، ولم يكن إخوة يوسف عليه السلام يومئذٍ أنبياء . وشتان بين السرقة وبين الكذب إذا لم تترتب عليه مضرة .

وكان هذا الكلام بمسمع من يوسف عليه السلام في مجلس حكمه .

وقوله : { فأسرها يوسف } يجوز أن يعود الضمير البارز إلى جملة { قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } على تأويل ذلك القول بمعنى المقالة على نحو قوله تعالى : { إنها كلمة هو قائلها بعد قوله : { رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } [ سورة المؤمنون : 99 ] . ويكون معنى أسرها في نفسه أنه تحملها ولم يظهر غضباً منها ، وأعرض عن زجرهم وعقابهم مع أنها طعن فيه وكذب عليه . وإلى هذا التفسير ينحو أبو علي الفارسي وأبو حيان . ويكون قوله : { قال أنتم شر مكانا } كلاماً مستأنفاً حكايةً لما أجابهم به يوسف عليه السلام صراحة على طريقة حكاية المحاورة ، وهو كلام موجه لا يقتضي تقرير ما نسبوه إلى أخي أخيهم ، أي أنتم أشدّ شرّاً في حالتكم هذه لأنّ سرقتكم مشاهدة وأما سرقة أخي أخيكم فمجرد دعوى ، وفعل { قال } يرجح هذا الوجه .

ويجوز أن يكون ضمير الغيبة في { فأسرها } عائد إلى ما بعده وهو قوله : { قال أنتم شر مكانا } . وبهذا فسر الزجاج والزمخشري ، أي قال في نفسه ، وهو يشبه ضمير الشأن وَالقصة ، لكن تأنيثه بتأويل المقولة أو الكلمة ، وتكون جملة { قال أنتم شر مكانا } تفسيراً للضمير في { أسرها } .

والإسرار ، على هذا الوجه ، مستعمل في حقيقته ، وهو إخفاء الكلام عن أن يسمعه سامع .

وجملة { ولم يبدها لهم } قيل هي توكيد لجملة { فأسرها يوسف } . وشأن التوكيد أن لا يعطف . ووجه عطفها ما فيها من المغايرة للتي قبلها بزيادة قيد لهم المشعر بأنه أبدى لأخيه أنهم كاذبون .

ويجوز أن يكون المراد لهم يُبدِ لهم غَضَباً ولا عقاباً كما تقدم مبالغة في كظم غيظه ، فيكون في الكلام تقدير مضاف مناسب ، أي لم يُبْد أثرها .

و { شرّ } اسم تفضيل ، وأصله أشرّ ، و { مكانا } تمييز لنسبة الأشَرّ .

وأطلق المكان على الحالة على وجه الاستعارة ، والحالة هي السرقة ، وإطلاق المكان والمكانة على الحالة شائع . وقد تقدم عند قوله تعالى : { قل يا قوم اعملوا على مكانتكم } في آخر سورة الأنعام ( 135 ) ، وهو تشبيه الاتّصاف بوصف مّا بالحلول في مكان . والمعنى أنهم لما علّلوا سرقة أخيهم بأن أخاه من قبل قد سرق فإذا كانت سرقة سابقة من أخ أعدّت أخاه الآخر للسرقة ، فهم وقد سبقهم أخَوَانَ بالسرقة أجدر بأن يكونوا سَارقين من الذي سبَقه أخ واحد . والكلام قابل للحمل على معنى أنتم شر حالة من أخيكم هذا والذي قبله لأنهما بريئان مما رميتموهما به وأنتم مجرمون عليهما إذ قذفتم أولهما في الجب ، وأيدتم تهمة ثانيهما بالسرقة .

ثم ذيله بجملة { والله أعلم بما تصفون } ، وهو كلام جامع أي الله أعلم بصدقكم فيما وصفتم أو بكذبكم . والمراد : أنه يعلم كذبهم ، فالمراد : أعلم لحال ما تصفون .