النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{۞قَالُوٓاْ إِن يَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخٞ لَّهُۥ مِن قَبۡلُۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفۡسِهِۦ وَلَمۡ يُبۡدِهَا لَهُمۡۚ قَالَ أَنتُمۡ شَرّٞ مَّكَانٗاۖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} (77)

قوله عز وجل : { قالوا إن يسرق فقد سَرَق أخ له من قبلُ } يعنون يوسف . وفي هذا القول منهم وجهان :

أحدهما : أنه عقوبة ليوسف أجراها الله تعالى على ألسنتهم ، قاله عكرمة .

والثاني : ليتبرؤوا بذلك من فعله لأنه ليس من أمهم وأنه{[1519]} إن سرق فقد جذبه عِرق أخيه السارق لأن في الاشتراك في الأنساب تشاكلاً في الأخلاق .

وفي السرقة التي نسبوا يوسف إليها خمسة أقاويل :

أحدها : أنه سرق صنماً كان لجده{[1520]} إلى أمه من فضة وذهب ، وكسره وألقاه في الطريق فعيّروه بذلك ، قاله سعيد بن جبير وقتادة .

الثاني : كان مع إخوته على طعام فنظر إلى عرق فخبأه ، فعيّروه بذلك ، قاله عطية العوفي .

الثالث : أنه كان يسرق من طعام المائدة للمساكين ، حكاه ابن عيسى .

الرابع : أن عمته وكانت أكبر ولد إسحاق وإليها صارت منطقة إسحاق لأنها كانت في الكبير من ولده ، وكانت تكفل يوسف ، فلما أراد يعقوب أخذه منها جعلت المنطقة ، واتهمته فأخذتها منه ، فصارت في حكمهم أحق به ، فكان ذلك منها لشدة ميلها وحبها له ، قاله مجاهد .

الخامس : أنهم كذبوا عليه فيما نسبوه إليه ، قاله الحسن .

{ فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم } فيه وجهان :

أحدهما : أنه أسر في نفسه قولهم : { إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } ، قاله ابن شجرة وعلي بن عيسى .

الثاني : أسر في نفسه { أنتُمْ شَرٌّ مكاناً . . . } الآية ، قاله ابن عباس وابن إسحاق . وفي قوله : { قال أنتم شر مكاناً } وجهان :

أحدهما : أنتم شر منزلة عند الله ممن نسبتموه إلى هذه السرقة .

الثاني : أنتم شر صنعاً لما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم .

وفي قوله تعالى : { والله أعلم بما تصفون } تأويلان :

أحدهما : بما تقولون ، قاله مجاهد .

الثاني : بما تكذبون ، قاله قتادة .

وحكى بعض المفسرين أنهم لما دخلوا عليه دعا بالصواع فنقره ثم أدناه من أذنه ثم قال : إن صواعي هذا ليخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلاً وأنكم انطلقتم بأخٍ لكم فبِعْتموه ، فلما سمعها بنيامين قام وسجد ليوسف وقال أيها الملك سلْ صواعك هذا عن أخي أحيّ هو أم هالك ؟ فنقره ، ثم قال : هو حي وسوف تراه . قال : فاصنع بي ما شئت ، فإنه إن علم بي سينقذني . قال : فدخل يوسف فبكى ثم توضأ وخرج ، فقال بنيامين : انقر صواعك ليخبرك بالذي سرقه فجعله في رحلي ، فنقره ، فقال : صواعي هذا غضبان وهو يقول : كيف تسألني عن صاحبي وقد رأيت مع من كنت{[1521]} .


[1519]:أي إن سرق بنيامين فقد سرق أخوه يوسف من قبل وهما من أم غير أمنا فهما أبناء الضرة.
[1520]:من قوله: "وإنما قالوا ذلك لهم" إلى هنا سقط من ك وهو مقدار ورقة وقد عولت فيما سقط علي نسخة ق.
[1521]:سقط من ق ويبدو أن هذه الفقرة من الإسرائيليات.