فقيل : { قالوا } تسلية لأنفسهم ودفعاً للعار عن خاصتهم { إن يسرق } ولم يجزموا بسرقته لعلمهم بأمانته وظنهم أنّ الصواع دس في رحله وهو لا يشعر كما دست بضاعتهم في رحالهم ، وكان قد قال لهم ذلك { فقد سرق أخ له من قبل } ، أي : يوسف وكان غرضهم من ذلك أنا لسنا على طريقته ولا على سيرته ، وهو وأخوه مختصان بهذه الطريقة ؛ لأنهما من أمّ أخرى ، واختلفوا في التي نسبوها إلى يوسف عليه السلام على أقوال ، فقال سفيان بن عيينة : أخذ دجاجة من الطير التي كانت في بيت يعقوب فأعطاها سائلاً . وقال مجاهد : جاءه سائل فأخذ بيضة من البيت فناولها للسائل ، وقال وهب : كان يخبئ الطعام من مائدة يعقوب للفقراء ، وقال سعيد بن جبير : كان جدّه أبو أمّه كافراً يعبد الوثن وأمرته أمّه أن يسرق تلك الأوثان ويكسرها ، فلعله يترك عبادة الأوثان ففعل ذلك فهذا هو السرقة . وقال محمد بن إسحاق : إنّ يوسف عليه السلام كان عند عمته ابنة إسحاق ، وكانت تحبه حباً شديداً ، فأرادت أن تمسكه عند نفسها وكان قد بقي معها منطقة لأبيها إسحاق عليه السلام ، وكانوا يتبركون بها ، فشدّتها على وسط يوسف عليه السلام من تحت ثيابه وهو صغير لا يشعر ، ثم قالت : إنه سرقها ، وكان علمهم أنّ من سرق يسترق فقال يعقوب عليه السلام : إن كان قد فعل ذلك فهو سلم لك فأمسكته عندها حتى ماتت ، فتوصلت بهذه الحيلة إلى إمساكه عند نفسها .
قال ابن الأنباري : وليس في هذه الأفعال كلها سرقة ، ولكنها تشبهها فعيروه بها عند الغضب ، وقيل : إنهم كذبوا عليه وبهتوه ، وكانت قلوبهم مملوءة من الغضب على يوسف بعد تلك الوقائع وبعد انقضاء المدّة الطويلة . قال الرازي : وهذه الواقعة تدل على أنّ قلب الحاسد لا يطمئن من الغل البتة . { فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها } ، أي : يظهرها { لهم } والضمير للكلمة التي هي قوله : { قال } ، أي : في نفسه { أنتم شرّ مكاناً } ، أي : من يوسف وأخيه ، أي : لسرقتكم أخاكم من أبيكم وظلمكم له ، وقيل : الضمير يرجع إلى الكلمة التي قالوها في حقه ، وهي قولهم : { فقد سرق أخ له من قبل } وعلى هذا يكون المعنى : فأسر يوسف جواب الكلمة التي قالوها في حقه { والله أعلم } منكم { بما تصفون } ، أي : تقولون ، وأنه ليس كما قلتم ، قال أصحاب الأخبار والسير : إنّ يوسف عليه السلام لما استخرج الصاع من رحل بنيامين نقره وأدناه إلى أذنه ثم قال : إنّ صاعي هذا يخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلاً لأب واحد وإنكم انطلقتم بأخ لكم من أبيكم فبعتموه فقال بنيامين : أيها الملك إنّ صاعك يخبرك من جعله في رحلي ، ثم نقره وأدناه من أذنه ، فقال : إنّ صاعي غضبان وهو يقول : كيف تسألوني عن صاحبي وقد رؤيت مع من كنت ؟ قالوا : فغضب روبيل لذلك ، وكانوا أولاد يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا ، وكان روبيل إذا غضب لم يقم لغضبه شيء ، وكان إذا صاح ألقت كل حامل حملها إذا سمعت صوته ، وكان مع هذا إذا مسه أحد من ولد يعقوب عليه السلام يسكن غضبه ، وكان أقوى الإخوة وأشدّهم ، وروي أنه قال لإخوته : كم عدد الأسواق بمصر ؟ قالوا : عشرة . فقال : اكفوني أنتم الأسواق ، وأنا أكفيكم الملك أو اكفوني أنتم الملك وأنا أكفيكم الأسواق ، ودخلوا على يوسف فقال روبيل : لتردّن علينا أخانا أو لأصيحنّ صيحة لا تبقى بمصر امرأة حامل إلا ألقت ولدها ، وقامت كل شعرة في جسده حتى خرجت من ثيابه ، فقال يوسف لابن له صغير : قم إلى جنب روبيل فمسه ، ويروى خذ بيده فائتني به ، فذهب الغلام فمسه فسكن غضبه فقال لإخوته : من مسني منكم ؟ قالوا : لم يصبك منا أحد . فقال روبيل : إنّ هنا بذراً من بذر يعقوب . فقال يوسف : من يعقوب ؟ وروي أنه غضب ثانياً ، فقام إليه يوسف فركضه برجله ، وأخذ بتلابيبه فوقع على الأرض ، وقال : أنتم يا معشر العبرانيين تظنون أنّ لا أحد أشد منكم فلما صار أمرهم إلى هذا ورأوا أن لا سبيل لهم إلى تخليصه خضعوا وذلوا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.