فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞قَالُوٓاْ إِن يَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخٞ لَّهُۥ مِن قَبۡلُۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفۡسِهِۦ وَلَمۡ يُبۡدِهَا لَهُمۡۚ قَالَ أَنتُمۡ شَرّٞ مَّكَانٗاۖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} (77)

{ قالوا إن يسرق } أي بنيامين الصواع { فقد سرق أخ له من قبل } يعنون يوسف عليه السلام وكان غرضهم من هذا الكلام إنا لسنا على طريقته ولا على سيرته بل هذا وأخوه كانا على هذه الطريقة لأنهما من أم أخرى غير أمنا . وقال الخفاجي : أتوا بكلمة ( إن ) لعدم تحققهم له بمجرد خروج السقاية من رحله ، وأما قولهم إن ابنك سرق فبناء على الظاهر ويسرق لحكاية الحال الماضية .

والمعنى إن كان سرق فليس ببدع لسبق مثله من أخيه ، والعرق نزاع وقيل إنهم جزموا بذلك وإن لمجرد الشرط انتهى .

وقد اختلف المفسرون في هذه السرقة التي نسبوها إلى يوسف عليه السلام ما هي ؟ فقيل : إنه كان ليوسف عليه السلام عمة هي أكبر من يعقوب وكانت عندها منطقة إسحاق لكونها أسن أولاده وكانوا يتوارثونها فيأخذها الأكبر سنا من ذكر أو أنثى ، وكانت قد حضنت يوسف عليه السلام وأحبته حبا شديدا ، فلما ترعرع قال لها يعقوب سلمي يوسف إلي فأشفقت من فراقه واحتالت في بقائه لديها فجعلت المنطقة تحت ثيابه وحزمته بها ، ثم قالت قد سرقت منطقة إسحاق فانظروا من سرقها فبحثوا عنها فوجدوها مع يوسف عليه السلام فأخذته عندها كما هو شرع الأنبياء في ذلك الوقت من آل إبراهيم . ذكره محمد ابن إسحاق وقد سبق بيان شريعتهم في السرقة .

وقيل : إن يوسف أخذ صنما كان لجده أبي أمه فكسره وألقاه على الطريق تغييرا للمنكر فعيره بذلك إخوته ، وقد روي معناه عن ابن عباس مرفوعا وعن سعيد ابن جبير وقتادة مثله غير مرفوع وقد روي نحوه عن جماعة من التابعين وحكي عن الزجاج أنه كان صنما من ذهب وقيل من فضة وقال عطية سرق في صباه ميلين من ذهب .

وعن ابن عباس سرق مكحلة لخالته ، وقيل كان في المنزل دجاجة فأعطاها لسائل قاله سفيان ابن عيينة .

وقيل : كان يخبأ الطعام من المائدة للفقراء .

قال ابن الأنباري : وليس في هذه الأفعال كلها ما يوجب السرقة ولكنها تشبهها فعيروه بها عند الغضب .

وحكى الواحدي عن الزجاج قال : الله أعلم أسرق أخ له أم لا وحكى القرطبي في تفسيره عنه أنه قال : كذبوا عليه فيما نسبوه إليه .

قلت وهذا أولى فما هذه الكذبة بأول كذباتهم وقد قدمنا ما يدفع قول من قال إنهم قد كانوا أنبياء عند صدور هذه الأمور منهم ، وفي البحر لابن المنير أن ما ذكر في تفسير السرقة تكلف لا يسوغ نسبة مثله إلى بيت النبوة ولا إلى أحد من الأشراف فالواجب تركه ، وإليه ذهب مكي وفسره بعضهم بإن يسرق فقد سرق مثله من بني آدم وذكر له نظائر في الحديث قال الخفاجي وهو كلام حقيق بالقبول .

قال الزجاج وغيره الضمير في { فأسرها } يعود إلى الكلمة أو الجملة كأنه قيل فأسر الجملة { يوسف في نفسه ولم يبدها لهم } ثم فسرها بقوله { قال أنتم شر مكانا } وقد رد أبو علي الفارسي هذا فقال : إن هذا النوع من الإضمار على شريطة التفسير غير مستعمل وعلى هذا يكون في الكلام رجوع الضمير على متأخر لفظا ورتبة . وفيه أيضا إطلاق الكلمة على الكلام والأول سائغ في مقام التفسير كما هنا والثاني سائغ في اللغة .

وقيل الضمير عائد إلى الإجابة أي أسر يوسف عليه السلام إجابتهم في ذلك الوقت إلى وقت آخر . وقيل أسر في نفسه قولهم إن يسرق الخ . وهذا هو الأولى ويكون معنى ولم يبدها لهم أنه لم يبد لهم هذه المقالة التي أسرها في نفسه بأن يذكر لهم صحتها وبطلانها .

وجملة : قال أنتم شر مكانا مفسرة على القول الأول ومستأنفة على القولين الأخيرين كأنه قيل فماذا قال يوسف عليه السلام لما قالوا هذه المقالة أي أنتم شر موضعا ومنزلا ممن نسبتموه إلى السرقة ورميتموه بها وهو بريء فإنكم قد فعلتم ما فعلتم من إلقاء يوسف عليه السلام في الجب والكذب على أبيكم وغير ذلك من أفاعيلكم ولم يكن من يوسف عليه السلام سرقة حقيقية .

ثم قال { والله أعلم بما تصفون } من الباطل بنسبة السرقة إلى يوسف عليه السلام وأنه لا حقيقة لذلك .