الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞قَالُوٓاْ إِن يَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخٞ لَّهُۥ مِن قَبۡلُۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفۡسِهِۦ وَلَمۡ يُبۡدِهَا لَهُمۡۚ قَالَ أَنتُمۡ شَرّٞ مَّكَانٗاۖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} (77)

قوله تعالى : { فَقَدْ سَرَقَ } : الجمهور على " سَرَق " مخففاً مبيناً للفاعل . وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي وابن أبي شريح عن الكسائي والوليد بن حسان عن يعقوب في آخرين " سُرِّق " مشدداً مبنياً للمفعول أي : نُسِب إلى السَّرِقة . وفي التفسير : أنَّ عَمَّته رَبَّتْه فأخذه أبوه منها ، فَشَدَّت في وَسَطِه مِنْطَقَة كانوا يتوارثونها من إبراهيم عليه السلام ففتَّشوا فوجدوها تحت ثيابه . فقال : هو لي فَأَخَذَتْه كما في شريعتهم ، وهذه القراءةُ منطبقة على هذا .

قوله : { فَأَسَرَّهَا } الضميرُ المنصوبُ مفسَّر بسياق الكلام أي : فَأَسَرَّ الحزازة التي حَصَلَتْ له مِنْ قولهم { فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ } كقول الشاعر :

2814 أما وِيَّ ما يُغْني الثَّراء عن الفتى *** إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاق بها الصدرُ

والضمير في " حَشْرَجَتْ " يعود على النفس ، كذا ذكره الشيخ ، وقد جعل البيتَ مِمَّا فُسِّر فيه الضميرُ بذِكْر ما هو كلٌّ لصاحب الضمير ، فلا يكون مما فُسِّر فيه بالسياق . ولتحقيق هذا موضعٌ آخرُ .

وقال الزمخشري : " إضمارٌ على شريطة التفسير ، تفسيره { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } ، وإنما أنَّثَ لأنَّ قولَه " شَرٌ مكاناً " جملة أو كلمةٌ على تسميتهم الطائفة من الكلام كلمة ، كأنه قيل : فَأَسَرَّ الجملةَ أو الكلمةَ التي هي قولُه : { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } ، لأنَّ قولَه : { قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } بدلٌ مِنْ أَسَرَّها " . قلت : وهذا عندَ مَنْ يُبْدل الظاهرَ من المضمر في غير المرفوع نحو : ضربته زيداً ، والصحيح وقوعه ، كقوله :

2815 فلا تَلُمْهُ أن يَخافَ البائسا ***

وقرأ عبد اللَّه وابن أبي عبلة : " فَأَسَرَّه " بالتذكير . قال الزمخشري : " يريد القول أو الكلام " . وقال أبو البقاء : " المضمر يعود إلى نِسْبتهم إياه إلى السَّرقة ، وقد دَلَّ عليه الكلامُ ، وقيل : في الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ تقديرهُ : قال في نفسه : أنتم شرٌّ مكاناً ، وأَسَرَّها أيْ هذه الكلمةَ " . قلت : ومِثْلُ هذا يَنْبغي أن لا يُقال : فإنَّ القرآنَ يُنَزَّهُ عنه .

قوله : { مَّكَاناً } تمييزٌ أي : منزلةً من غيركم .