فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞قَالُوٓاْ إِن يَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخٞ لَّهُۥ مِن قَبۡلُۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفۡسِهِۦ وَلَمۡ يُبۡدِهَا لَهُمۡۚ قَالَ أَنتُمۡ شَرّٞ مَّكَانٗاۖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} (77)

قوله : { قَالُوا إِن يَسْرِقْ } أي بنيامين { فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } يعنون يوسف .

وقد اختلف المفسرون في هذه السرقة التي نسبوها إلى يوسف ما هي ؟ فقيل : إنه كان ليوسف عمة هي أكبر من يعقوب ، وكانت عندها منطقة إسحاق لكونها أسنّ أولاده وكانوا يتوارثونها فيأخذها الأكبر سناً من ذكر أو أنثى ، وكانت قد حضنت يوسف وأحبته حباً شديداً ، فلما ترعرع قال لها يعقوب : سلِّمي يوسف إليّ فأشفقت من فراقه ، واحتالت في بقائه لديها ، فجعلت المنطقة تحت ثيابه وحزمته بها ، ثم قالت : قد سرقت منطقة إسحاق فانظروا من سرقها ، فبحثوا عنها فوجدوها مع يوسف فأخذته عندها كما هو شرع الأنبياء في ذلك الوقت من آل إبراهيم . وقد سبق بيان شريعتهم في السرقة ، وقيل : إن يوسف أخذ صنماً كان لجدّه - أبي أمه - فكسره وألقاه على الطريق تغييراً للمنكر . وحكي عن الزجاج أنه كان صنماً من ذهب . وحكى الواحدي عن الزجاج أنه قال : الله أعلم ، أسرق أخ له أم لا ؟ وحكى القرطبي في تفسيره عن الزجاج أنه قال : كذبوا عليه فيما نسبوه إليه ، قلت : وهذا أولى ، فما هذه الكذبة بأوّل كذباتهم ، وقد قدّمنا ما يدفع قول من قال : إنهم قد كانوا أنبياء عند صدور هذه الأمور منهم . قوله : { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ } قال الزجاج وغيره : الضمير في أسرّها يعود إلى الكلمة أو الجملة ، كأنه قيل : فأسرّ الجملة في نفسه { وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } ثم فسرها بقوله : { قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } وقد ردّ أبو عليّ الفارسي هذا فقال : إن هذا النوع من الإضمار على شريطة التفسير غير مستعمل ؛ وقيل : الضمير عائد إلى الإجابة ، أي : أسرّ يوسف إجابتهم في ذلك الوقت إلى وقت آخر ، وقيل : أسرّ في نفسه قولهم : ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } ، وهذا هو الأولى ، ويكون معنى { وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } أنه لم يبد لهم هذه المقالة التي أسرّها في نفسه بأن يذكر لهم صحتها ، أو بطلانها ، وجملة { قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } مفسرة على القول الأوّل ، ومستأنفة على القولين الآخرين ، كأنه قيل : فماذا قال يوسف لما قالوا هذه المقالة ؟ أي : { أنتم شرّ مكانا } أي : موضعاً ومنزلاً ممن نسبتموه إلى السرقة وهو بريء ، فإنكم قد فعلتم ما فعلتم من إلقاء يوسف إلى الجبّ ، والكذب على أبيكم وغير ذلك من أفاعيلكم ، ثم قال : { والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ } من الباطل بنسبة السرقة إلى يوسف ، وأنه لا حقيقة لذلك .

/خ82